لم يسلم الغجر في أي عهد من العهود التي مر بها العراق من التهميش والحرمان، ولكن ما يحيط بهم اليوم، في العراق الجديد أدهى وأمر مما تعرضوا له في العصور السابقة. فاليوم تحيط بقريتهم المسماة -تفاؤلا- بقرية الزهزر سواتر ترابية وخنادق للمياه الآسنة، تعيش بينها عائلات بدون ماء وكهرباء، وتعاني من الفقر بعد حرمانها من العمل في العراق الجديد الموغل في التشدد الاجتماعي.
كانت أحوال الغجر إبان حكم حزب البعث العلماني قبل 2003، أفضل بكثير بالنسبة لهم؛ فقد كان الرجال يعملون مغنين أو عازفين ماهرين، فيما تنشط نساؤهم في الرقص كما هو حال معظم الغجر في بلدان الشرق الأوسط، بعد مجيئهم من الهند قبل مئات السنين، أما اليوم فيبدو أن الألم والحسرة وغياب الأمن شغلتهم عن الرقص والغناء.
وبين مقاساة صعوبة الحياة المادية والمعنوية تتربى أجيال الغجر بين النفايات والأنقاض المبعثرة في أزقة القرية؛ أطفال ورجال بدون عمل يتجولون بين أكواخ من الطين لا نوافذ لها ولا أبواب، ونساء يجلسن للاستراحة لا من تعب العمل ولكن من تجوال يوم طويل من أيام التسول في مدينة الديوانية القريبة، جنوب بغداد. ولا ينقص هذا المشهد إلا بخور النفايات المحترق التي تتصاعد روائحها الكريهة، ودخانها الأسود لتزكم الأنوف وتدمع العيون.
أما في السياسة فحدث ولا حرج؛ فقد وقع هؤلاء بين مطرقة التهميش والحرمان، وسندان تصاعد نفوذ القوى التي لا تعترف لهؤلاء بالحق في الكرامة والوجود في العراق، فقد تعرضت قريتهم قرية الزهور إلى هجوم مطلع العام 2004 شنته ميليشيات شيعية تعتبر الغجر منحلين وترى أنهم يمارسون عملا غير أخلاقي. وأعقب الهجوم بقنابل الهاون والأسلحة الرشاشة، سرقة كل محتويات القرية ومنازلها، وفقا لما يقوله الباقون من سكانها.
وتؤكد رغد هنومي إحدى نساء القرية، صاحبة البشرة السمراء والعينين السوداوين، وهي تجلس على سجادة ملوثة بالأتربة "نعيش كالكلاب". وتضيف هنومي بينما كان يحيط بها عدد من النسوة أنها توقفت عن التسول في الديوانية (160 كلم جنوب بغداد)، لأن المسؤولين في المحافظة يقولون "ليس لديكم أي حقوق" حتى في التسول. وتقول إن الناس حرموهم من أبسط الحقوق حتى "إنهم يرفضون أن يبيعوا لنا عندما نذهب للتسوق ويقولون أنتم غجر".
في هذه الحال لم يبق أمام نساء الغجر اليوم إلا التستر بنقاب يغطي وجوههن عندما يتسولن في المدينة بحثا عن لقمة العيش، محاولة لإخفاء هويتهن، وربما لكي يصطدم بذلك النقاب بعض الإهانات التي يتعرضن لها كل يوم.
من جانبها، تقول لمياء حالوب صاحبة الوجه الأسمر مبررة كدها وجدها الذي لا ينقطع في التسول "نخرج يوميا من الخامسة صباحا حتى الثالثة ظهرا للتسول، لأنهم أغلقوا جميع أبواب العيش في وجوهنا وتركونا نموت".
أما الرجال، فيترحمون على أيام الأفراح والحفلات في الأعياد والليالي الجميلة والأعراس الصاخبة وحفلات العائلات والسهرات الخاصة للأثرياء.
ويقول خالد جاسم وهو يغطي راسه بكوفية حمراء وبيضاء اللون "قبل عام 2003 كنا نستطيع العمل؛ نعزف الموسيقى في المناسبات والأفراح والحفلات الفولكلورية". وهذا طبعا أحسن مما هم فيه اليوم. وأضاف "لكن منذ ذلك الوقت، لم يتبق لنا شيء بدعوى أن عاداتنا لا تتماشى مع التقاليد".
وحكى بمرارة قصة نعي مصدر رزقه الوحيد الذي اعتاد عليه "الفن" ناقلا عن بعض النافذين في العراق الجديد "إن الفنانين لا مكان لهم في العراق، الفن انتهى!". وتساءل "أي بلد هذا، هل هناك مكان لا يوجد فيه فن"؟ وقال بعصبية واستنكار يظهر أنه لا يحسن غير ما كان يحسن هو وأجداده "قل لي ماذا اعمل؟ جندي أم شرطي م حارس أو عامل"؟
رغم ذلك لم تتجاهل السلطات حالتهم فأقامت الشرطة نقطة تفتيش على مدخل القرية التي غادرها معظم أهلها خوفا على ما تبقى منهم من التعرض لهجمات جديدة من قبل معتدين جدد.
ويقول عباس محمد السعيدي عضو لجنة حقوق الإنسان في محافظة الديوانية إن "الهجوم الذي تعرضت له القرية دمرها بشكل شبه كامل، وتحولت المنازل إلى انقاض مبعثرة بلا ماء أو كهرباء، وأكد غياب أبسط الخدمات الإنسانية".
ونتيجة للخوف والجوع الذي تعرضت له قريتهم أكد عباس أن عدد العائلات التي كانت تسكن القرية انخفض من 450 إلى 120 ولم يبق منهم سوى من خلفه العجز والفقر ولم يستطع سبيلا لمغادرة القرية المنكوبة.
وسر الداء الذي يتعرضون له اعتبار بعض رجال الدين الغجر منحرفين وحكمهم باليأس من إصلاح أحوالهم. يقول رجل الدين حافظ مطشر إمام الجمعة في الديوانية، إن "الإسلام يعتبرهم منحرفين عن الطريق الصحيح، والأمل ضعيف بعودتهم إلى الصواب" نتيجة لكون "أهل القرية يمارسون الدعارة التي حرمتها الشريعة الإسلامية وعليه فمن الطبيعي أن ينظر اليهم المجتمع نظرة دونية ويصر على عزلهم".
ولا تتوفر أرقام دقيقة عن أعداد الغجر في العراق لكن قادتهم يقولون إن عددهم يبلغ حوالى الستين ألفا، يؤكد معظمهم فقدان الأمل بحياة أفضل في ظل استمرار الحال على ما هو عليه الآن.
كانت أحوال الغجر إبان حكم حزب البعث العلماني قبل 2003، أفضل بكثير بالنسبة لهم؛ فقد كان الرجال يعملون مغنين أو عازفين ماهرين، فيما تنشط نساؤهم في الرقص كما هو حال معظم الغجر في بلدان الشرق الأوسط، بعد مجيئهم من الهند قبل مئات السنين، أما اليوم فيبدو أن الألم والحسرة وغياب الأمن شغلتهم عن الرقص والغناء.
وبين مقاساة صعوبة الحياة المادية والمعنوية تتربى أجيال الغجر بين النفايات والأنقاض المبعثرة في أزقة القرية؛ أطفال ورجال بدون عمل يتجولون بين أكواخ من الطين لا نوافذ لها ولا أبواب، ونساء يجلسن للاستراحة لا من تعب العمل ولكن من تجوال يوم طويل من أيام التسول في مدينة الديوانية القريبة، جنوب بغداد. ولا ينقص هذا المشهد إلا بخور النفايات المحترق التي تتصاعد روائحها الكريهة، ودخانها الأسود لتزكم الأنوف وتدمع العيون.
أما في السياسة فحدث ولا حرج؛ فقد وقع هؤلاء بين مطرقة التهميش والحرمان، وسندان تصاعد نفوذ القوى التي لا تعترف لهؤلاء بالحق في الكرامة والوجود في العراق، فقد تعرضت قريتهم قرية الزهور إلى هجوم مطلع العام 2004 شنته ميليشيات شيعية تعتبر الغجر منحلين وترى أنهم يمارسون عملا غير أخلاقي. وأعقب الهجوم بقنابل الهاون والأسلحة الرشاشة، سرقة كل محتويات القرية ومنازلها، وفقا لما يقوله الباقون من سكانها.
وتؤكد رغد هنومي إحدى نساء القرية، صاحبة البشرة السمراء والعينين السوداوين، وهي تجلس على سجادة ملوثة بالأتربة "نعيش كالكلاب". وتضيف هنومي بينما كان يحيط بها عدد من النسوة أنها توقفت عن التسول في الديوانية (160 كلم جنوب بغداد)، لأن المسؤولين في المحافظة يقولون "ليس لديكم أي حقوق" حتى في التسول. وتقول إن الناس حرموهم من أبسط الحقوق حتى "إنهم يرفضون أن يبيعوا لنا عندما نذهب للتسوق ويقولون أنتم غجر".
في هذه الحال لم يبق أمام نساء الغجر اليوم إلا التستر بنقاب يغطي وجوههن عندما يتسولن في المدينة بحثا عن لقمة العيش، محاولة لإخفاء هويتهن، وربما لكي يصطدم بذلك النقاب بعض الإهانات التي يتعرضن لها كل يوم.
من جانبها، تقول لمياء حالوب صاحبة الوجه الأسمر مبررة كدها وجدها الذي لا ينقطع في التسول "نخرج يوميا من الخامسة صباحا حتى الثالثة ظهرا للتسول، لأنهم أغلقوا جميع أبواب العيش في وجوهنا وتركونا نموت".
أما الرجال، فيترحمون على أيام الأفراح والحفلات في الأعياد والليالي الجميلة والأعراس الصاخبة وحفلات العائلات والسهرات الخاصة للأثرياء.
ويقول خالد جاسم وهو يغطي راسه بكوفية حمراء وبيضاء اللون "قبل عام 2003 كنا نستطيع العمل؛ نعزف الموسيقى في المناسبات والأفراح والحفلات الفولكلورية". وهذا طبعا أحسن مما هم فيه اليوم. وأضاف "لكن منذ ذلك الوقت، لم يتبق لنا شيء بدعوى أن عاداتنا لا تتماشى مع التقاليد".
وحكى بمرارة قصة نعي مصدر رزقه الوحيد الذي اعتاد عليه "الفن" ناقلا عن بعض النافذين في العراق الجديد "إن الفنانين لا مكان لهم في العراق، الفن انتهى!". وتساءل "أي بلد هذا، هل هناك مكان لا يوجد فيه فن"؟ وقال بعصبية واستنكار يظهر أنه لا يحسن غير ما كان يحسن هو وأجداده "قل لي ماذا اعمل؟ جندي أم شرطي م حارس أو عامل"؟
رغم ذلك لم تتجاهل السلطات حالتهم فأقامت الشرطة نقطة تفتيش على مدخل القرية التي غادرها معظم أهلها خوفا على ما تبقى منهم من التعرض لهجمات جديدة من قبل معتدين جدد.
ويقول عباس محمد السعيدي عضو لجنة حقوق الإنسان في محافظة الديوانية إن "الهجوم الذي تعرضت له القرية دمرها بشكل شبه كامل، وتحولت المنازل إلى انقاض مبعثرة بلا ماء أو كهرباء، وأكد غياب أبسط الخدمات الإنسانية".
ونتيجة للخوف والجوع الذي تعرضت له قريتهم أكد عباس أن عدد العائلات التي كانت تسكن القرية انخفض من 450 إلى 120 ولم يبق منهم سوى من خلفه العجز والفقر ولم يستطع سبيلا لمغادرة القرية المنكوبة.
وسر الداء الذي يتعرضون له اعتبار بعض رجال الدين الغجر منحرفين وحكمهم باليأس من إصلاح أحوالهم. يقول رجل الدين حافظ مطشر إمام الجمعة في الديوانية، إن "الإسلام يعتبرهم منحرفين عن الطريق الصحيح، والأمل ضعيف بعودتهم إلى الصواب" نتيجة لكون "أهل القرية يمارسون الدعارة التي حرمتها الشريعة الإسلامية وعليه فمن الطبيعي أن ينظر اليهم المجتمع نظرة دونية ويصر على عزلهم".
ولا تتوفر أرقام دقيقة عن أعداد الغجر في العراق لكن قادتهم يقولون إن عددهم يبلغ حوالى الستين ألفا، يؤكد معظمهم فقدان الأمل بحياة أفضل في ظل استمرار الحال على ما هو عليه الآن.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر