في أحلك ظروف الاحتلال في العراق، وعندما كانت القوات الأمريكية تتعرض لاكثر من 150 عملية هجوم في اليوم، ظلت هذه القوات تقوم بدوريات في الشوارع، وظل المشاة يتجولون بزيهم العسكري.
والسؤال هو: هل كان القادة العسكريون الذين يحركون هذه الدوريات لا يعرفون ان قواتهم سوف تتعرض للهجوم؟ هل كانوا لا يعرفون ان عددا من جنودهم لن يعود حيا؟
بلى كانوا يعرفون. ومع ذلك فقد ظلوا يرسلون مشاتهم ليتجولوا في الشوارع وبين الناس وفي مواجهة خطر لا مفر منه.
ولكن، لماذا؟
ببساطة، لأن التواجد في الشوارع هو رمز وجود الاحتلال. وهو الدليل العملي الأهم على وجود قوة عليا. وبحسب القواعد العسكرية المألوفة فان هذه القوة يجب ان تكون ظاهرة، لتجعل المدنيين يفهمون من هو الآمر والناهي في بلدهم.
هذا هو السبب الوحيد الذي ظل من أجله القادة العسكريون يدفعون الضحايا تلو الضحايا من جنودهم ليقتلوا او ليصابوا بعاهات دائمة خلال القيام باعمال تلك الدوريات. فمن دون الوجود المباشر في الشوارع، وبين الناس، ومن دون الخروج بالزي العسكري، فان الاحتلال لا يعود ظاهرا، وسلطته سوف تختفي ويده الطولى ستكون قصيرة وكلمته العليا لن تكون مقبولة من أولئك الذين لا يرونها مجسدة في شوارعهم.
والأمر الذي يجب ان يجري التفكير فيه مليا هو، هل هذا هو الحال عندما تسمح بعض الحكومات العربية التي تحتضن قواعد عسكرية اجنبية للجنود الغربيين بالتجول في الشوارع وبين الناس بزيهم العسكري؟
هل تريد هذه الحكومات ان تقول لشعبها ان القوة التي تحكم (او التي تشاركها في الحكم) هي تلك القوة الغربية التي تتجول بحرية بزيها العسكري؟
ألا تعرف هذه الحكومات ما هو المغزى من وجود قوات اجنبية على أراضيها؟ وإذا كانت تعرف، فهل لا تعرف إن إظهار هذا الوجود في العلن يعني شيئا مختلفا عن عدم السماح له بالظهور؟
ان السماح للقوات الغربية بالتجول بالزي العسكري بين المدنيين يعني شيئا واحدا هو القول ان القوة التي يمثلها هؤلاء الجنود هي القوة الحاكمة الحقيقية. وان القوة التي يمثلها رجال الشرطة والجيش المحليون ليست سوى تعبير عن قوة رمزية لا تتمتع بنفوذ حقيقي.
ويستطيع الزائر لبعض دول الخليج العربية أن يلاحظ ان الجنود الأمريكيين والبريطانيين يتجولون بحرية بزيهم العسكري. وكأنهم يقولون لجميع المواطنين ان سيادة بلدهم ووطنهم تخضع لقوى سياسية وعسكرية تقع خارج نطاق السلطة المحلية أو شرعية الحكومة الوطنية.
وفي هذه الدول قد يتمتع الجنود الأجانب بحقوق وامتيازات قد لا يتمتع بها المواطنون العاديون. فهم بسبب زيهم العسكري ليسوا خاضعين للقوانين المحلية. وإذا حصل وان قاموا بأي مخالفة أو اعتداء فان السلطات لا تستطيع أن تفرض عليهم قوانينها. وبحسب النموذج السائد في العراق، فان الاجراءات القضائية المدنية لا تشمل العسكريين الأجانب.
هذا الواقع يكشف حقيقة لا يمكن إهمالها وهي ان القوات الأجنبية المنتشرة في بعض الدول العربية تتصرف كقوة إحتلال، وبدلا من أن تتحاشى الظهور العلني، فانها تتعمد التجول بالزي العسكري لإضفاء نوع من 'الطبيعية' على هذا الاحتلال.
وتبرر بعض الحكومات التي تستضيف قواعد أجنبية على أراضيها بان هذه القوات تعمل في إطار اتفاقيات للتعاون. وأن مصالحها تقتضي تقوية العلاقات مع الغرب.
لا توجد اي مشكلة في ان تكون هناك اتفاقيات تعاون بين الدول العربية والغربية حيث تقيم الدول الغربية علاقات تعاون مع ثلاثة أرباع دول العالم، ولكن هذه العلاقات لا تتطلب وجود قواعد عسكرية. وإذا وجدت هذه القواعد فانها تكون خاضعة لضوابط قانونية محلية مشددة.
وعليه يصبح من البديهي، ان التجول بالزي العسكري ينطوي على مغزى صريح يشكل إهانة ضمنية للسيادة الوطنية، وللقوانين المحلية، لانه يكشف على الفور ان الدول العربية في غنى عن هؤلاء الجنود ولأنهم ليسوا خاضعين للسلطات الوطنية.
ولا توجد مشكلة في ان تجد بعض الحكومات العربية في عالم الطاقة والتكنولوجيا الحديث ان مصالحها تقتضي التعاون مع الغرب، ولكن ألا يجدر بهذه الحكومات ان تصارح شعوبها بتفاصيل تلك المصالح إضافة الى ان تتخذ كافة الإجراءات السياسية و القوانين للحفاظ على استقلالية واحترام السيادة الوطنية والتي يجب ان تكون أسمى واهم من أي مصالح مشتركة مع أي دولة.
ان تقوية العلاقات مع الغرب لا يجوز ان ينظر اليها كمجرد موقف سياسي جاهز، كما لا يجوز التعامل معها كإفتراض مطلق ولا مفر منه. ولكن تقوية العلاقات، مع أي كان، يجب ان تخضع لاعتبارات المصلحة الوطنية أو المصالح المتبادلة. ولكن إذا اتضح ان القوى الغربية التي تحرص بعض الحكومات على إقامة علاقات تعاون معها تنتهج سياسات مكشوفة في تحديها للمصالح والسيادة الوطنية، فان 'التعاون' سوف لن يعدو كونه خدعة مظاهر. أما باطنها الحقيقي فهو الهيمنة والإحتلال واهانة السيادة الوطنية.
العلاقات بين الدول لا يمكن ان تتعزز وتسير في الاتجاه الصحيح إلا إذا أزيلت سياسات التخويف والابتزاز التي بواسطتها تتمكن الدول الغربية في ان تملي على الحكومات العربية خيارات تؤدي الى استنزاف طاقاتها المادية والبشرية، وتفرض عليها شراء اسلحة هزيلة نسبيا في مقابل أموال طائلة. وفي الوقت نفسه، فانها تسلح إسرائيل بكل ما ترغب به من أسلحة متطورة، بما فيها الأسلحة النووية. وبذلك يصبح برنامج التسليح العسكري الغربي العائق الاستراتيجي في تنفيذ برامج التعليم والصحة والازدهار والرفاهية للمواطنين.
الدول الغربية لا تستخدم وجودها العسكري في أي مكان من اجل السياحة، وانما من اجل الحفاظ فقط على مصالح أهدافها الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية وألامنية. وما لم تكن هذه الأهداف تتوافق مع تطلعات البلدان التي تستضيف هذا الوجود، فان الأمر سيكون بمثابة احتلال مكشوف، وعلاقة تبعية لا مصالح فيها ولا ضرورة لها .
ان تاريخ الدول العربية مليء بالأمثلة حيث تستخدم الدول الغربية وجود قواتها من اجل التدخل في الشؤون الداخلية في البلدان التي تقيم فيها. فهي تتدخل في الشؤون الأمنية بزعم البحث عن أفضل السبل لحماية قواتها وقواعدها. كما انها تستخدم وجودها لاقامة شبكة علاقات وارتباطات محلية مع مسؤولين من مختلف المستويات لكي تتحكم بالبلد من خلالهم.
وهناك تجارب عديدة أظهرت ان العديد من المؤامرات والإنقلابات إنما يتم التخطيط لها من داخل هذه القواعد. ولربما يعرف بعض الحكام انهم إما ان يكونوا خاضعين جملة وتفصيلا لمصالح القوة الأجنبية التي يستضيفونها، او ان هذه القوة سوف تتآمر على بقائهم في السلطة، بفضل ما تنسجه من علاقات سرية داخل المؤسسة الحاكمة، وقد يفيد ذكر العراق في هذا المجال حيث تم التآمر عليه من قواعد عسكرية وسياسية خارج أراضيه.
الولايات المتحدة الأمريكية لا تخفي على أحد انها تدعم إسرائيل وتعتبر أمنها وبقاءها واحدا من أهم التزاماتها الاستراتيجية. والولايات المتحدة لا تخفي على أحد أطماعها بالنفط، وحرصها على السيطرة على منابعه. في غزو العراق وتفكيك كافة مؤسسات الدولة العراقية بما فيها الجيش العراقي اعادت أمريكا بناء وتعزيز الخطر الفارسي ضد العرب كما أنها لا تتردد في استخدام هذا الخطر لممارسة الضغوط وكل أعمال الابتزاز من اجل ان تبيع للحكومات أسلحة ومعدات عسكرية ليس في الواقع أي حاجة إليها او لا تتوفر الخبرات البشرية لاستخدامها.
ان تعمد الجنود الغربيون التجول في الشوارع بزيهم العسكري يطرح التساؤل: لو حدث وأرسلت بعض البلدان العربية بعثات عسكرية الى الخارج، فهل كانت الدول الغربية سوف تسمح لهذه البعثات بان تكون فوق القانون المحلي؟ وهل ستوافق على ان تمنحها نفس امتيازات الحماية التي تتمع بها قواتها فوق الأراضي العربية؟ وهل ستسمح لها التجول في شوارعها بزيها العسكري.
الجواب الأرجح هو: لا، لن تسمح. وهو ما يعني ان هذه الدول ليست مستعدة أصلا للتعامل مع دولنا على أساس المساواة والاحترام المبادل لسيادة البلد والعادات والتقاليد والقيم الأخلاقية، وإنما لخدمة مصالحها أولا وأخيرا ويمكن الاقتداء هنا بالتصريح البريطاني المشهور القائل 'ليس لبريطانيا أصدقاء أو حلفاء وإنما مصالح فقط'.
فلو أخذنا بريطانيا على سبيل المثال فسوف تبدو المفارقة السياسية ساطعة للغاية. فبريطانيا كانت وما تزال تقوم بإنزال اشد العقوبات وتتهم بالخيانة العظمى من يتآمر على مصالح وامن واستقرار الشعب البريطاني وهذا عرف يفتخر به كل مواطن بريطاني.
بينما نجد في الوقت نفسه ان بريطانيا شاركت دول الغزو والاحتلال بمكافأة العراقيين التي تعتبرهم خونة في بريطانيا بأسمى المناصب الحكومية، هولاء الذين تآمروا على امن واستقرار الشعب العراقي وساهموا الغزاة بتعريض الشعب العراقي للدمار والهلاك.
ولا حاجة لإثارة السؤال القائل: لماذا تكافئ قوة الاحتلال من تعتبرهم خونة في بلدانهم؟ الجواب واضح وضوح الشمس وهو ان قوة الاحتلال تريد تهين الدول التي تحتلها. وتريد ان تجعل منها عبرة لمن يجرأ لمنافسة استيطانها العقلي و البشري في هذه الدول.
ان احترام السيادة الوطنية هو أحد أول وأهم الدلائل على الدفاع عن المصالح الوطنية.
كما ان احترام العادات والتقاليد الاجتماعية من جانب القوى الاجنبية يعد مؤشرا قويا على مدى استقلالية ووطنية الحكومات التي تقيم علاقات مع هذه الدول.
والكل يعرف ان تخلي أي دولة عن قيمها وتقاليدها واخلاقياتها الاجتماعية وسيادتها السياسية يجعلها عرضة لفقدان الاحترام. والمثل العراقي خير دليل على ذلك.
ان دفاع الدول الغربية عن مصالحها القومية والوطنية هو مثال يجب اقتباسه من كافة الدول العربية ومن الضروري تطبيقه ضمن الأعراف والقوانين العربية وخارج نطاق الضغوط الغربية والتي تهدف باستمرار الى تدخل مباشر للشؤون الداخلية والخارجية للمواطنين دون استشارة هؤلاء المواطنين.
ان القوات المسلحة الغربية البريطانية منها او الأمريكية والتي تتجول أمنة في شوارع ومدن الدول العربية الخليجية هي نفس القوات التي استخدمت لغزو واحتلال العراق بحرب عدوانية كما صرح سكرتير الأمم المتحدة السيد كوفي انان بأنها حرب غير شرعية وغير قانونية ولم يحاسب في الغرب الى يومنا هذا المسؤولين عن شن هذه الحرب، وعليه يحتم الواجب القومي والوطني ان تتطلب حكومات هذه الدول من هذه القوات ان تترك قواعدها وتغادر هذه الدول او على الأقل الطلب من هذه القوات ان لا ترتدي زيها العسكري خلال تواجدها ، وهذا طبعا اضعف الإيمان.
ان الزي العسكري كان ولا يزال يشكل تحدياً لسيادة كل دولة والى مشاعر كل مواطن عربي وتحديا لكافة العادات والتقاليد المحلية والعربية فيها والإسلامية.
وفي حالة العراق خاصة فان استمرار تواجد القوات الغربية على الأراضي العربية خاصة الخليجية يمثل مؤشراً واضحاً على موافقة من حكومات هذه الدول على استمرار احتلال العراق او على الأقل عدم التعاطف مع مشاعر العراقيين في رفض الاحتلال والمآسي التي يواجهها المواطن العراقي تحت الاحتلال.
والسؤال هو: هل كان القادة العسكريون الذين يحركون هذه الدوريات لا يعرفون ان قواتهم سوف تتعرض للهجوم؟ هل كانوا لا يعرفون ان عددا من جنودهم لن يعود حيا؟
بلى كانوا يعرفون. ومع ذلك فقد ظلوا يرسلون مشاتهم ليتجولوا في الشوارع وبين الناس وفي مواجهة خطر لا مفر منه.
ولكن، لماذا؟
ببساطة، لأن التواجد في الشوارع هو رمز وجود الاحتلال. وهو الدليل العملي الأهم على وجود قوة عليا. وبحسب القواعد العسكرية المألوفة فان هذه القوة يجب ان تكون ظاهرة، لتجعل المدنيين يفهمون من هو الآمر والناهي في بلدهم.
هذا هو السبب الوحيد الذي ظل من أجله القادة العسكريون يدفعون الضحايا تلو الضحايا من جنودهم ليقتلوا او ليصابوا بعاهات دائمة خلال القيام باعمال تلك الدوريات. فمن دون الوجود المباشر في الشوارع، وبين الناس، ومن دون الخروج بالزي العسكري، فان الاحتلال لا يعود ظاهرا، وسلطته سوف تختفي ويده الطولى ستكون قصيرة وكلمته العليا لن تكون مقبولة من أولئك الذين لا يرونها مجسدة في شوارعهم.
والأمر الذي يجب ان يجري التفكير فيه مليا هو، هل هذا هو الحال عندما تسمح بعض الحكومات العربية التي تحتضن قواعد عسكرية اجنبية للجنود الغربيين بالتجول في الشوارع وبين الناس بزيهم العسكري؟
هل تريد هذه الحكومات ان تقول لشعبها ان القوة التي تحكم (او التي تشاركها في الحكم) هي تلك القوة الغربية التي تتجول بحرية بزيها العسكري؟
ألا تعرف هذه الحكومات ما هو المغزى من وجود قوات اجنبية على أراضيها؟ وإذا كانت تعرف، فهل لا تعرف إن إظهار هذا الوجود في العلن يعني شيئا مختلفا عن عدم السماح له بالظهور؟
ان السماح للقوات الغربية بالتجول بالزي العسكري بين المدنيين يعني شيئا واحدا هو القول ان القوة التي يمثلها هؤلاء الجنود هي القوة الحاكمة الحقيقية. وان القوة التي يمثلها رجال الشرطة والجيش المحليون ليست سوى تعبير عن قوة رمزية لا تتمتع بنفوذ حقيقي.
ويستطيع الزائر لبعض دول الخليج العربية أن يلاحظ ان الجنود الأمريكيين والبريطانيين يتجولون بحرية بزيهم العسكري. وكأنهم يقولون لجميع المواطنين ان سيادة بلدهم ووطنهم تخضع لقوى سياسية وعسكرية تقع خارج نطاق السلطة المحلية أو شرعية الحكومة الوطنية.
وفي هذه الدول قد يتمتع الجنود الأجانب بحقوق وامتيازات قد لا يتمتع بها المواطنون العاديون. فهم بسبب زيهم العسكري ليسوا خاضعين للقوانين المحلية. وإذا حصل وان قاموا بأي مخالفة أو اعتداء فان السلطات لا تستطيع أن تفرض عليهم قوانينها. وبحسب النموذج السائد في العراق، فان الاجراءات القضائية المدنية لا تشمل العسكريين الأجانب.
هذا الواقع يكشف حقيقة لا يمكن إهمالها وهي ان القوات الأجنبية المنتشرة في بعض الدول العربية تتصرف كقوة إحتلال، وبدلا من أن تتحاشى الظهور العلني، فانها تتعمد التجول بالزي العسكري لإضفاء نوع من 'الطبيعية' على هذا الاحتلال.
وتبرر بعض الحكومات التي تستضيف قواعد أجنبية على أراضيها بان هذه القوات تعمل في إطار اتفاقيات للتعاون. وأن مصالحها تقتضي تقوية العلاقات مع الغرب.
لا توجد اي مشكلة في ان تكون هناك اتفاقيات تعاون بين الدول العربية والغربية حيث تقيم الدول الغربية علاقات تعاون مع ثلاثة أرباع دول العالم، ولكن هذه العلاقات لا تتطلب وجود قواعد عسكرية. وإذا وجدت هذه القواعد فانها تكون خاضعة لضوابط قانونية محلية مشددة.
وعليه يصبح من البديهي، ان التجول بالزي العسكري ينطوي على مغزى صريح يشكل إهانة ضمنية للسيادة الوطنية، وللقوانين المحلية، لانه يكشف على الفور ان الدول العربية في غنى عن هؤلاء الجنود ولأنهم ليسوا خاضعين للسلطات الوطنية.
ولا توجد مشكلة في ان تجد بعض الحكومات العربية في عالم الطاقة والتكنولوجيا الحديث ان مصالحها تقتضي التعاون مع الغرب، ولكن ألا يجدر بهذه الحكومات ان تصارح شعوبها بتفاصيل تلك المصالح إضافة الى ان تتخذ كافة الإجراءات السياسية و القوانين للحفاظ على استقلالية واحترام السيادة الوطنية والتي يجب ان تكون أسمى واهم من أي مصالح مشتركة مع أي دولة.
ان تقوية العلاقات مع الغرب لا يجوز ان ينظر اليها كمجرد موقف سياسي جاهز، كما لا يجوز التعامل معها كإفتراض مطلق ولا مفر منه. ولكن تقوية العلاقات، مع أي كان، يجب ان تخضع لاعتبارات المصلحة الوطنية أو المصالح المتبادلة. ولكن إذا اتضح ان القوى الغربية التي تحرص بعض الحكومات على إقامة علاقات تعاون معها تنتهج سياسات مكشوفة في تحديها للمصالح والسيادة الوطنية، فان 'التعاون' سوف لن يعدو كونه خدعة مظاهر. أما باطنها الحقيقي فهو الهيمنة والإحتلال واهانة السيادة الوطنية.
العلاقات بين الدول لا يمكن ان تتعزز وتسير في الاتجاه الصحيح إلا إذا أزيلت سياسات التخويف والابتزاز التي بواسطتها تتمكن الدول الغربية في ان تملي على الحكومات العربية خيارات تؤدي الى استنزاف طاقاتها المادية والبشرية، وتفرض عليها شراء اسلحة هزيلة نسبيا في مقابل أموال طائلة. وفي الوقت نفسه، فانها تسلح إسرائيل بكل ما ترغب به من أسلحة متطورة، بما فيها الأسلحة النووية. وبذلك يصبح برنامج التسليح العسكري الغربي العائق الاستراتيجي في تنفيذ برامج التعليم والصحة والازدهار والرفاهية للمواطنين.
الدول الغربية لا تستخدم وجودها العسكري في أي مكان من اجل السياحة، وانما من اجل الحفاظ فقط على مصالح أهدافها الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية وألامنية. وما لم تكن هذه الأهداف تتوافق مع تطلعات البلدان التي تستضيف هذا الوجود، فان الأمر سيكون بمثابة احتلال مكشوف، وعلاقة تبعية لا مصالح فيها ولا ضرورة لها .
ان تاريخ الدول العربية مليء بالأمثلة حيث تستخدم الدول الغربية وجود قواتها من اجل التدخل في الشؤون الداخلية في البلدان التي تقيم فيها. فهي تتدخل في الشؤون الأمنية بزعم البحث عن أفضل السبل لحماية قواتها وقواعدها. كما انها تستخدم وجودها لاقامة شبكة علاقات وارتباطات محلية مع مسؤولين من مختلف المستويات لكي تتحكم بالبلد من خلالهم.
وهناك تجارب عديدة أظهرت ان العديد من المؤامرات والإنقلابات إنما يتم التخطيط لها من داخل هذه القواعد. ولربما يعرف بعض الحكام انهم إما ان يكونوا خاضعين جملة وتفصيلا لمصالح القوة الأجنبية التي يستضيفونها، او ان هذه القوة سوف تتآمر على بقائهم في السلطة، بفضل ما تنسجه من علاقات سرية داخل المؤسسة الحاكمة، وقد يفيد ذكر العراق في هذا المجال حيث تم التآمر عليه من قواعد عسكرية وسياسية خارج أراضيه.
الولايات المتحدة الأمريكية لا تخفي على أحد انها تدعم إسرائيل وتعتبر أمنها وبقاءها واحدا من أهم التزاماتها الاستراتيجية. والولايات المتحدة لا تخفي على أحد أطماعها بالنفط، وحرصها على السيطرة على منابعه. في غزو العراق وتفكيك كافة مؤسسات الدولة العراقية بما فيها الجيش العراقي اعادت أمريكا بناء وتعزيز الخطر الفارسي ضد العرب كما أنها لا تتردد في استخدام هذا الخطر لممارسة الضغوط وكل أعمال الابتزاز من اجل ان تبيع للحكومات أسلحة ومعدات عسكرية ليس في الواقع أي حاجة إليها او لا تتوفر الخبرات البشرية لاستخدامها.
ان تعمد الجنود الغربيون التجول في الشوارع بزيهم العسكري يطرح التساؤل: لو حدث وأرسلت بعض البلدان العربية بعثات عسكرية الى الخارج، فهل كانت الدول الغربية سوف تسمح لهذه البعثات بان تكون فوق القانون المحلي؟ وهل ستوافق على ان تمنحها نفس امتيازات الحماية التي تتمع بها قواتها فوق الأراضي العربية؟ وهل ستسمح لها التجول في شوارعها بزيها العسكري.
الجواب الأرجح هو: لا، لن تسمح. وهو ما يعني ان هذه الدول ليست مستعدة أصلا للتعامل مع دولنا على أساس المساواة والاحترام المبادل لسيادة البلد والعادات والتقاليد والقيم الأخلاقية، وإنما لخدمة مصالحها أولا وأخيرا ويمكن الاقتداء هنا بالتصريح البريطاني المشهور القائل 'ليس لبريطانيا أصدقاء أو حلفاء وإنما مصالح فقط'.
فلو أخذنا بريطانيا على سبيل المثال فسوف تبدو المفارقة السياسية ساطعة للغاية. فبريطانيا كانت وما تزال تقوم بإنزال اشد العقوبات وتتهم بالخيانة العظمى من يتآمر على مصالح وامن واستقرار الشعب البريطاني وهذا عرف يفتخر به كل مواطن بريطاني.
بينما نجد في الوقت نفسه ان بريطانيا شاركت دول الغزو والاحتلال بمكافأة العراقيين التي تعتبرهم خونة في بريطانيا بأسمى المناصب الحكومية، هولاء الذين تآمروا على امن واستقرار الشعب العراقي وساهموا الغزاة بتعريض الشعب العراقي للدمار والهلاك.
ولا حاجة لإثارة السؤال القائل: لماذا تكافئ قوة الاحتلال من تعتبرهم خونة في بلدانهم؟ الجواب واضح وضوح الشمس وهو ان قوة الاحتلال تريد تهين الدول التي تحتلها. وتريد ان تجعل منها عبرة لمن يجرأ لمنافسة استيطانها العقلي و البشري في هذه الدول.
ان احترام السيادة الوطنية هو أحد أول وأهم الدلائل على الدفاع عن المصالح الوطنية.
كما ان احترام العادات والتقاليد الاجتماعية من جانب القوى الاجنبية يعد مؤشرا قويا على مدى استقلالية ووطنية الحكومات التي تقيم علاقات مع هذه الدول.
والكل يعرف ان تخلي أي دولة عن قيمها وتقاليدها واخلاقياتها الاجتماعية وسيادتها السياسية يجعلها عرضة لفقدان الاحترام. والمثل العراقي خير دليل على ذلك.
ان دفاع الدول الغربية عن مصالحها القومية والوطنية هو مثال يجب اقتباسه من كافة الدول العربية ومن الضروري تطبيقه ضمن الأعراف والقوانين العربية وخارج نطاق الضغوط الغربية والتي تهدف باستمرار الى تدخل مباشر للشؤون الداخلية والخارجية للمواطنين دون استشارة هؤلاء المواطنين.
ان القوات المسلحة الغربية البريطانية منها او الأمريكية والتي تتجول أمنة في شوارع ومدن الدول العربية الخليجية هي نفس القوات التي استخدمت لغزو واحتلال العراق بحرب عدوانية كما صرح سكرتير الأمم المتحدة السيد كوفي انان بأنها حرب غير شرعية وغير قانونية ولم يحاسب في الغرب الى يومنا هذا المسؤولين عن شن هذه الحرب، وعليه يحتم الواجب القومي والوطني ان تتطلب حكومات هذه الدول من هذه القوات ان تترك قواعدها وتغادر هذه الدول او على الأقل الطلب من هذه القوات ان لا ترتدي زيها العسكري خلال تواجدها ، وهذا طبعا اضعف الإيمان.
ان الزي العسكري كان ولا يزال يشكل تحدياً لسيادة كل دولة والى مشاعر كل مواطن عربي وتحديا لكافة العادات والتقاليد المحلية والعربية فيها والإسلامية.
وفي حالة العراق خاصة فان استمرار تواجد القوات الغربية على الأراضي العربية خاصة الخليجية يمثل مؤشراً واضحاً على موافقة من حكومات هذه الدول على استمرار احتلال العراق او على الأقل عدم التعاطف مع مشاعر العراقيين في رفض الاحتلال والمآسي التي يواجهها المواطن العراقي تحت الاحتلال.
د. برهان الجلبي
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر