التدخين..ظاهرة دخلت كالنار في الهشيم إلى كافة المجتمعات في العالم كله, وكان اكتشاف التبغ واستخدامه في التدخين محض صدفة, فأصبح لهذه الظاهرة السيئة ملايين العشاق من ذكور وإناث, كبار بالغين وأطفال, عاقلين وغير عاقلين, رغم أنها ظاهرة سلبية وخطيرة تؤثر على من يمارسها ومن لا يمارسها, فان عشاقها والمنتمين إلى فئة المدخنين مازالوا في ازدياد كبير يوما بعد يوم..والأكثر خطورة من ذلك, فإنها استطاعت في قطاع غزة بأن تتسرب إلى الأطفال جيل المستقبل وأمله, تسربت بطرق عدة..
البدايات الأولى لاكتشاف التبغ..
في أوائل القرن السادس عشر ادخل مكتشفو أمريكا عادة التدخين إلى الحضارة الأوروبية، ومصطلح نيكوتين الذي يتداوله الناس عند التحدث عن التدخين أخذ من اسم جون نيكوت سفير فرنسا في لشبونة والذي دافع عن التبغ وكان يؤكد أن للتدخين فوائد مثل إعادة الوعي وعلاج الكثير من الأمراض.
وحتى منذ هذه البداية لم يترك الموضوع دون مقاومة فقد قام كثيرون بمعارضته وخصوصا (جيمس الأول) في كتابه "مقاومة التبغ", حيث اعتبر التدخين وسيلة هدامة للصحة, أما السيجارة التي يعرفها الناس بشكلها الحالي فقد ظهرت في البرازيل عام 1870م.
من الغريب أن أول إحصائية عن التدخين في الولايات المتحدة الأمريكية ظهرت في عام 1880 وكان تعداد السكان خمسين مليون فقط, ثبت أنهم يدخنون 1,3 بليون سيجارة سنويا, وحينما ارتفع عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية إلى 204 مليون ارتفع عدد السجائر المدخنة إلى 536 بليون سيجارة سنويا.
النيكوتين والإدمان...
النيكوتين هو المادة الأساسية في تركيب التبغ، وله تأثير منشط و مهيج، وهو الذي يؤدي إلى الإدمان, وهو مادة شديدة السمية تدخل في تركيب عدد كبير من المضادات الحشرية, و
يختلف مفعول النيكوتين في الجسم حسب الكميات المأخوذة، فالكميات الصغيرة لها تأثير منشط ومحرض لإفراز الأدرينالين الذي يزيد من عدد ضربات القلب ويمكن أن يجعلها غير منتظمة، ويزيد من ضغط الدم و يقلل الشهية للطعام, أما الكميات الكبيرة فيمكن أن تكون قاتلة (بعض أنواع التسمم بالمواد المضادة للحشرات), والمدخنون يتناولون عادة كميات صغيرة إلى متوسطة، لكن تأثيرها تراكمي في الجسم.
يؤدي النيكوتين إلى الإدمان، وتظهر أعراض السحب (التوقف عن تناول المادة المسببة للإدمان) خلال ساعات قصيرة، مما يجعل الشخص المدمن يشعر بالارتياح لتناوله الجرعة التالية.
أما بخصوص الإدمان لدى الأطفال فمن خلال حديثي لأكثر من طفل كدت اقتنع أن ما يفعلونه إنما هو تقليد أعمى لكبار شاهدوهم أو أصدقاء جلسوا معهم وهم يدخنون, حيث يقول الطفل سامر من مدينة خان يونس التقيته صدفة وهو يشرب السجائر" أنا اشرب السجائر فقط لأني أريد أن اشربها, وأنا مستعد أن اترك التدخين الآن, لكني لا أريد", على عكس بعض الحالات من الأطفال والشباب والرجال الذين دخنوا لفترات طويلة ويصعب عليهم الإقلاع عن التدخين, ومن هنا يتضح بأن الإدمان و صعوبة أو سهولة الإقلاع عن التدخين متعلقان بالمدة التي قام بها المدخن بالتدخين وحتى كمية السجائر التي يشربها يوميا.
العرب والغرب..ومحاربة التدخين...
والغريب في الأمر أيضا أن الكثير من الدول الأوروبية وأمريكا التي هي نفسها منبع التبغ التي يصنع منها السجائر أخذت تقوم بحملات كثيرة أهمها منع التدخين في الأماكن العامة كالمطاعم والقطارات والباصات وغيرها, على الرغم من أنها تحتضن كل المصانع والشركات التي تصنع وتسوق السجائر إلى كافة أنحاء العالم بما فيها العالم العربي, على صعيد الوطن العربي فان ظاهرة التدخين وخاصة تدخين الأطفال والمراهقين في ازدياد كبير, ففي قطاع غزة يكاد من يسير في شوارعه يشعر بالصدمة لما يراه, فالأطفال في سن الثالثة والرابعة عشرة واقل من ذلك يشربون السجائر علنا في الشوارع, بالطبع لكن هذا بعيدا عن أعين الوالدين.
وبالتالي يجدر هنا القول بأن من صنع التبغ قطع الآن شوطا كبيرا في الحد من ظاهرة التدخين أو حتى على الأقل تقنينها من خلال قوانين تحد وتمنع التدخين في الأماكن العامة المليئة بالناس, أما في الدول العربية أو دول العالم الثالث كما يسميها الغرب ما زالت في طور انتشار وازدياد هذه الظاهرة..
طباخ السم والرجل الحكيم...
" احترس التدخين يدمر الصحة ويسبب الوفاة – التدخين يصيب بأمراض القلب والشرايين – الآثار المدمرة للتدخين تصيب المدخن وغير المدخن – التدخين يؤثر على الأطفال – حافظ على أطفالك من التدخين – للبالغين فقط"..
إرشادات ونصائح وكأنها تخرج من فم رجل حكيم بلغ من الحكمة ما لم يبلغه احد في هذا الزمان, كفيلة تلك الإرشادات والنصائح بأن تؤدي في نهاية المطاف بالمدخن إلى الإقلاع عن التدخين, أو اضعف الإيمان إلى التخفيف منه, لا تكمن الغرابة في تلك النصائح والإرشادات بحد ذاتها, وإنما الغريب في الأمر هو الجهة التي تنصح والمكان التي تدون عليه تلك العبارات والنصائح, فمن ينصح هي الشركات التي تصنع تلك السموم"السجائر", والمكان التي يتم كتابتها فيه هو على صناديق السجائر مصحوبة بصور تمثل رجل يرقد بالمستشفى جراء إصابته بمرض بسبب التدخين وأخرى لطفل يضع كمامة حتى لا يتأثر بمن يدخن حوله, فالشركات المصنعة كمن تقوم بدور الرجل الحكيم الناصح وفي نفس الوقت هي التي تطبخ ذلك السم وتقوم بتوزيعه على عشاق سمها المنتشرين في كافة أنحاء العالم!!
وسائل إعلام وشخصيات عامة...مروجي سجائر!!
نظرة الأطفال هذه ليست يتيمة, أو بالمعنى الأصح لم تولد هكذا من الهواء, وإنما كان لها مقدمات بنيت عليها و جعلتها مع مرور الأيام تنضج بدعم من مؤسسات مجتمعية بقصد أو بدون قصد, ومن المفترض أن تكون تلك المؤسسات ذات مسئولية عالية تجاه كل فئات المجتمع وعلى رأسها الأطفال, هذه المؤسسات كان لها الأثر العميق في تقوية تلك النظرة, فوسائل الإعلام تحمل السر الأكبر في هذا المجال, فلها عشاقها من الأطفال والشباب وتوقع فيهم اكبر الأثر, ومن هنا رضيت على نفسها بأن تكون بمثابة المروج بل والموزع لشركات تصنيع السجائر وتشجع جميع الفئات على شربها بحجة أنها مفيدة وتؤدي بالإنسان إلى تهدئة أعصابه, وبهذا خرجت وسائل الإعلام عن مهمتها الأساسية القائمة على إخبار الناس بالمعلومات والحقائق والأخبار الصادقة, وبسبب حبها للمال وكسبه بأي طريقة أخذت على عاتقها مهمة ترويج هذه السجائر والحث على كثرة شربها, وبالتالي فان وسائل الإعلام كانت أهم تلك المؤسسات التي حثت الشباب والأطفال وشجعتهم على ممارسة تلك الهواية والعادة السيئة..
أما المؤسسة الثانية, والتي لا تقل أهمية عن دور وسائل الإعلام والتي ترتبط فيها بشكل لصيق ووثيق, فهي الشخصيات العامة والقيادية من قادة ومسئولين وفنانين التي من المفترض أن تكون قدوة للجميع ومثالا للأخلاق الحسنة, فكانت بعضا منها أسوأ قدوة ومثال للشباب والأطفال حبا في المال وبعضها حبا في الظهور, وهنا اذكر قصة حدثت في العام 1953 ظهر رونالد ريغان في إعلان نشرته إحدى المجلات و هو يمسك السجائر و يقول أنها لا تترك مذاقا كريها و تبعه باقي الممثلين و المطربين بإعلانات السجائر, فأصبح رونالد ريغان قدوة ليس فقط للشباب والأطفال وإنما لغيره من الشخصيات العامة في سلوكها نفس طريقه وما كان لها أسوأ الأثر في زيادة عدد المدخنين, وهنا لا اذكر هذه القصة من باب التقليل من شأن هذا الرئيس, وإنما اذكر سلوكا سيئا قامت به شخصية عامة ومسئولة بحجم الرئيس الأمريكي كان لها عظيم الأثر في سلوك المتأثرين به من الشباب والأطفال وحتى الرجال والنساء حتى اليوم...
للبالغين فقط...أسلوب لاصطياد وجذب الأطفال!!
أردت هنا التعريج على إحدى أهم العبارات التي تكتبها جميع شركات تصنيع السجائر على صناديقها التي تصنعها, ومحاولة تفسير تلك العبارة, وهي تقول "للبالغين فقط", في ظاهرها قد تكون هذه العبارة عادية وأقل أهمية من تلك العبارات الأخرى التي تكتبها تلك الشركات إلى جانبها كما ذكرت بعض منها سابقا, ولكن اعتقد بأنها أهم تلك العبارات وأخطرها على الإطلاق, فمن المعروف أن الإنسان بأي خلفية ثقافية ينتمي إليها يحب ويرغب كل ما هو ممنوع, وهو فضولي بطبعه, وفطرته التي خلقه الله عليها, فان العبارات القائلة بأن السجائر هي مضرة بالصحة وتؤدي للأمراض والوفاة أقل بريقا وتشويقا بالنسبة للمراهقين والأطفال من تلك العبارة القائلة "للبالغين فقط", فهي طريقة سهلة لاصطياد الأطفال والغير بالغين كي يقبلوا على تدخين السجائر من باب التجربة, ودخول عالم المدخنين من باب الفضول ليس إلا ومن ثم الغوص في وحله المليء بالأمراض الخطيرة.
الأطفال المدخنين ونظرتهم إلى السجائر...
"أنت تتحدث معي هكذا لأنك لا تستطيع أن تحمل سيجارة وتدخنها", في تلك العبارة اختصرت نظرة أحد الأطفال المدخنين إلى السجائر, وهو رد احد الأطفال ويدعى محمد, والذي لم يتجاوز الستة عشر ربيعا من عمره, حينما رأيته يدخن علنا في أحد الشوارع كآلاف مؤلفة من الأطفال في قطاع غزة وحاولت أن أشرح له مضار التدخين من باب النصيحة, فأجابني بتلك الطريقة التي تنم عن قلة الاحترام, وأعطاني ذلك الجواب إن دل فإنما يدل على أن الطفل محمد, إن لم يكن معظم الأطفال قد أصبحوا مدمنين على تدخين السجائر ليس من باب الإدمان فقط وإنما لفكرة واعتقاد خاطئين قد زرعتا في عقولهم بطريقة معينة تقولان بأن من يملك سيجارة ويدخنها فهو يملك قراره ويصبح ذو مكانة كبيرة في نظر غيره من الناس, حتى وان كان قراره هذا حمل السيجارة وممارسة هواية وعادة سيئة وهو شربها, وباختصار الحديث فهو يكون رجلا كاملا مكملا حتى وان لم يصل أو يتجاوز سن البلوغ أو الرشد والانتقال إلى سن الرجولة.
محلات البقالة..وبيع السجائر..والمسئولية
في مدن قطاع غزة تقريبا معظم محلات البقالة التي توجهت إليها تبيع السجائر بكافة أنواعها, ولا شك في أن هذه المحلات تلعب دورا كبيرا في نشر التدخين بين الأطفال والمراهقين, ليس من باب الجذب والإغواء, وإنما من باب أن هذه المحلات قد تبيع طفلا لم يتجاوز الخمسة أعوام صندوق سجائر حتى وان كانت لوالده أو أشخاص أكبر منه سنا وبالتالي فإنها تبيع آلاف الأطفال الذين يدخنون السجائر وبالتالي لا تقنن عملية بيع السجائر كما هو مكتوب على صناديق السجائر للبالغين فقط, وهذا ما رأيته حينما جلست أكثر من مرة لعدة أيام في أحد محلات البقالة الكبيرة في رفح يعود للحاج أبو سمير, فوجدت أن السجائر تباع كما يقال بلهجتنا الغزية لكل "من هب ودب".
وفي هذا الإطار سألت احد الأطفال الذين يدخنون ممن جاءوا على محل البقالة هذا عن عمره وكم مضى له وهو يدخن, وكم سيجارة يدخن في اليوم الواحد فقال " عمري 17عاما, وأدخن من حوالي ثلاث سنوات, وأدخن في اليوم علبة كاملة "عشرون سيجارة" ", إن دل هذا الشئ فإنما يدل على حجم الكارثة, فمحلات البقالة تبيع السجائر لسن الأطفال 14 سنة واقل دون أية مسئولية أخلاقية أو اجتماعية ولا حتى دينية.
البدايات الأولى لاكتشاف التبغ..
في أوائل القرن السادس عشر ادخل مكتشفو أمريكا عادة التدخين إلى الحضارة الأوروبية، ومصطلح نيكوتين الذي يتداوله الناس عند التحدث عن التدخين أخذ من اسم جون نيكوت سفير فرنسا في لشبونة والذي دافع عن التبغ وكان يؤكد أن للتدخين فوائد مثل إعادة الوعي وعلاج الكثير من الأمراض.
وحتى منذ هذه البداية لم يترك الموضوع دون مقاومة فقد قام كثيرون بمعارضته وخصوصا (جيمس الأول) في كتابه "مقاومة التبغ", حيث اعتبر التدخين وسيلة هدامة للصحة, أما السيجارة التي يعرفها الناس بشكلها الحالي فقد ظهرت في البرازيل عام 1870م.
من الغريب أن أول إحصائية عن التدخين في الولايات المتحدة الأمريكية ظهرت في عام 1880 وكان تعداد السكان خمسين مليون فقط, ثبت أنهم يدخنون 1,3 بليون سيجارة سنويا, وحينما ارتفع عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية إلى 204 مليون ارتفع عدد السجائر المدخنة إلى 536 بليون سيجارة سنويا.
النيكوتين والإدمان...
النيكوتين هو المادة الأساسية في تركيب التبغ، وله تأثير منشط و مهيج، وهو الذي يؤدي إلى الإدمان, وهو مادة شديدة السمية تدخل في تركيب عدد كبير من المضادات الحشرية, و
يختلف مفعول النيكوتين في الجسم حسب الكميات المأخوذة، فالكميات الصغيرة لها تأثير منشط ومحرض لإفراز الأدرينالين الذي يزيد من عدد ضربات القلب ويمكن أن يجعلها غير منتظمة، ويزيد من ضغط الدم و يقلل الشهية للطعام, أما الكميات الكبيرة فيمكن أن تكون قاتلة (بعض أنواع التسمم بالمواد المضادة للحشرات), والمدخنون يتناولون عادة كميات صغيرة إلى متوسطة، لكن تأثيرها تراكمي في الجسم.
يؤدي النيكوتين إلى الإدمان، وتظهر أعراض السحب (التوقف عن تناول المادة المسببة للإدمان) خلال ساعات قصيرة، مما يجعل الشخص المدمن يشعر بالارتياح لتناوله الجرعة التالية.
أما بخصوص الإدمان لدى الأطفال فمن خلال حديثي لأكثر من طفل كدت اقتنع أن ما يفعلونه إنما هو تقليد أعمى لكبار شاهدوهم أو أصدقاء جلسوا معهم وهم يدخنون, حيث يقول الطفل سامر من مدينة خان يونس التقيته صدفة وهو يشرب السجائر" أنا اشرب السجائر فقط لأني أريد أن اشربها, وأنا مستعد أن اترك التدخين الآن, لكني لا أريد", على عكس بعض الحالات من الأطفال والشباب والرجال الذين دخنوا لفترات طويلة ويصعب عليهم الإقلاع عن التدخين, ومن هنا يتضح بأن الإدمان و صعوبة أو سهولة الإقلاع عن التدخين متعلقان بالمدة التي قام بها المدخن بالتدخين وحتى كمية السجائر التي يشربها يوميا.
العرب والغرب..ومحاربة التدخين...
والغريب في الأمر أيضا أن الكثير من الدول الأوروبية وأمريكا التي هي نفسها منبع التبغ التي يصنع منها السجائر أخذت تقوم بحملات كثيرة أهمها منع التدخين في الأماكن العامة كالمطاعم والقطارات والباصات وغيرها, على الرغم من أنها تحتضن كل المصانع والشركات التي تصنع وتسوق السجائر إلى كافة أنحاء العالم بما فيها العالم العربي, على صعيد الوطن العربي فان ظاهرة التدخين وخاصة تدخين الأطفال والمراهقين في ازدياد كبير, ففي قطاع غزة يكاد من يسير في شوارعه يشعر بالصدمة لما يراه, فالأطفال في سن الثالثة والرابعة عشرة واقل من ذلك يشربون السجائر علنا في الشوارع, بالطبع لكن هذا بعيدا عن أعين الوالدين.
وبالتالي يجدر هنا القول بأن من صنع التبغ قطع الآن شوطا كبيرا في الحد من ظاهرة التدخين أو حتى على الأقل تقنينها من خلال قوانين تحد وتمنع التدخين في الأماكن العامة المليئة بالناس, أما في الدول العربية أو دول العالم الثالث كما يسميها الغرب ما زالت في طور انتشار وازدياد هذه الظاهرة..
طباخ السم والرجل الحكيم...
" احترس التدخين يدمر الصحة ويسبب الوفاة – التدخين يصيب بأمراض القلب والشرايين – الآثار المدمرة للتدخين تصيب المدخن وغير المدخن – التدخين يؤثر على الأطفال – حافظ على أطفالك من التدخين – للبالغين فقط"..
إرشادات ونصائح وكأنها تخرج من فم رجل حكيم بلغ من الحكمة ما لم يبلغه احد في هذا الزمان, كفيلة تلك الإرشادات والنصائح بأن تؤدي في نهاية المطاف بالمدخن إلى الإقلاع عن التدخين, أو اضعف الإيمان إلى التخفيف منه, لا تكمن الغرابة في تلك النصائح والإرشادات بحد ذاتها, وإنما الغريب في الأمر هو الجهة التي تنصح والمكان التي تدون عليه تلك العبارات والنصائح, فمن ينصح هي الشركات التي تصنع تلك السموم"السجائر", والمكان التي يتم كتابتها فيه هو على صناديق السجائر مصحوبة بصور تمثل رجل يرقد بالمستشفى جراء إصابته بمرض بسبب التدخين وأخرى لطفل يضع كمامة حتى لا يتأثر بمن يدخن حوله, فالشركات المصنعة كمن تقوم بدور الرجل الحكيم الناصح وفي نفس الوقت هي التي تطبخ ذلك السم وتقوم بتوزيعه على عشاق سمها المنتشرين في كافة أنحاء العالم!!
وسائل إعلام وشخصيات عامة...مروجي سجائر!!
نظرة الأطفال هذه ليست يتيمة, أو بالمعنى الأصح لم تولد هكذا من الهواء, وإنما كان لها مقدمات بنيت عليها و جعلتها مع مرور الأيام تنضج بدعم من مؤسسات مجتمعية بقصد أو بدون قصد, ومن المفترض أن تكون تلك المؤسسات ذات مسئولية عالية تجاه كل فئات المجتمع وعلى رأسها الأطفال, هذه المؤسسات كان لها الأثر العميق في تقوية تلك النظرة, فوسائل الإعلام تحمل السر الأكبر في هذا المجال, فلها عشاقها من الأطفال والشباب وتوقع فيهم اكبر الأثر, ومن هنا رضيت على نفسها بأن تكون بمثابة المروج بل والموزع لشركات تصنيع السجائر وتشجع جميع الفئات على شربها بحجة أنها مفيدة وتؤدي بالإنسان إلى تهدئة أعصابه, وبهذا خرجت وسائل الإعلام عن مهمتها الأساسية القائمة على إخبار الناس بالمعلومات والحقائق والأخبار الصادقة, وبسبب حبها للمال وكسبه بأي طريقة أخذت على عاتقها مهمة ترويج هذه السجائر والحث على كثرة شربها, وبالتالي فان وسائل الإعلام كانت أهم تلك المؤسسات التي حثت الشباب والأطفال وشجعتهم على ممارسة تلك الهواية والعادة السيئة..
أما المؤسسة الثانية, والتي لا تقل أهمية عن دور وسائل الإعلام والتي ترتبط فيها بشكل لصيق ووثيق, فهي الشخصيات العامة والقيادية من قادة ومسئولين وفنانين التي من المفترض أن تكون قدوة للجميع ومثالا للأخلاق الحسنة, فكانت بعضا منها أسوأ قدوة ومثال للشباب والأطفال حبا في المال وبعضها حبا في الظهور, وهنا اذكر قصة حدثت في العام 1953 ظهر رونالد ريغان في إعلان نشرته إحدى المجلات و هو يمسك السجائر و يقول أنها لا تترك مذاقا كريها و تبعه باقي الممثلين و المطربين بإعلانات السجائر, فأصبح رونالد ريغان قدوة ليس فقط للشباب والأطفال وإنما لغيره من الشخصيات العامة في سلوكها نفس طريقه وما كان لها أسوأ الأثر في زيادة عدد المدخنين, وهنا لا اذكر هذه القصة من باب التقليل من شأن هذا الرئيس, وإنما اذكر سلوكا سيئا قامت به شخصية عامة ومسئولة بحجم الرئيس الأمريكي كان لها عظيم الأثر في سلوك المتأثرين به من الشباب والأطفال وحتى الرجال والنساء حتى اليوم...
للبالغين فقط...أسلوب لاصطياد وجذب الأطفال!!
أردت هنا التعريج على إحدى أهم العبارات التي تكتبها جميع شركات تصنيع السجائر على صناديقها التي تصنعها, ومحاولة تفسير تلك العبارة, وهي تقول "للبالغين فقط", في ظاهرها قد تكون هذه العبارة عادية وأقل أهمية من تلك العبارات الأخرى التي تكتبها تلك الشركات إلى جانبها كما ذكرت بعض منها سابقا, ولكن اعتقد بأنها أهم تلك العبارات وأخطرها على الإطلاق, فمن المعروف أن الإنسان بأي خلفية ثقافية ينتمي إليها يحب ويرغب كل ما هو ممنوع, وهو فضولي بطبعه, وفطرته التي خلقه الله عليها, فان العبارات القائلة بأن السجائر هي مضرة بالصحة وتؤدي للأمراض والوفاة أقل بريقا وتشويقا بالنسبة للمراهقين والأطفال من تلك العبارة القائلة "للبالغين فقط", فهي طريقة سهلة لاصطياد الأطفال والغير بالغين كي يقبلوا على تدخين السجائر من باب التجربة, ودخول عالم المدخنين من باب الفضول ليس إلا ومن ثم الغوص في وحله المليء بالأمراض الخطيرة.
الأطفال المدخنين ونظرتهم إلى السجائر...
"أنت تتحدث معي هكذا لأنك لا تستطيع أن تحمل سيجارة وتدخنها", في تلك العبارة اختصرت نظرة أحد الأطفال المدخنين إلى السجائر, وهو رد احد الأطفال ويدعى محمد, والذي لم يتجاوز الستة عشر ربيعا من عمره, حينما رأيته يدخن علنا في أحد الشوارع كآلاف مؤلفة من الأطفال في قطاع غزة وحاولت أن أشرح له مضار التدخين من باب النصيحة, فأجابني بتلك الطريقة التي تنم عن قلة الاحترام, وأعطاني ذلك الجواب إن دل فإنما يدل على أن الطفل محمد, إن لم يكن معظم الأطفال قد أصبحوا مدمنين على تدخين السجائر ليس من باب الإدمان فقط وإنما لفكرة واعتقاد خاطئين قد زرعتا في عقولهم بطريقة معينة تقولان بأن من يملك سيجارة ويدخنها فهو يملك قراره ويصبح ذو مكانة كبيرة في نظر غيره من الناس, حتى وان كان قراره هذا حمل السيجارة وممارسة هواية وعادة سيئة وهو شربها, وباختصار الحديث فهو يكون رجلا كاملا مكملا حتى وان لم يصل أو يتجاوز سن البلوغ أو الرشد والانتقال إلى سن الرجولة.
محلات البقالة..وبيع السجائر..والمسئولية
في مدن قطاع غزة تقريبا معظم محلات البقالة التي توجهت إليها تبيع السجائر بكافة أنواعها, ولا شك في أن هذه المحلات تلعب دورا كبيرا في نشر التدخين بين الأطفال والمراهقين, ليس من باب الجذب والإغواء, وإنما من باب أن هذه المحلات قد تبيع طفلا لم يتجاوز الخمسة أعوام صندوق سجائر حتى وان كانت لوالده أو أشخاص أكبر منه سنا وبالتالي فإنها تبيع آلاف الأطفال الذين يدخنون السجائر وبالتالي لا تقنن عملية بيع السجائر كما هو مكتوب على صناديق السجائر للبالغين فقط, وهذا ما رأيته حينما جلست أكثر من مرة لعدة أيام في أحد محلات البقالة الكبيرة في رفح يعود للحاج أبو سمير, فوجدت أن السجائر تباع كما يقال بلهجتنا الغزية لكل "من هب ودب".
وفي هذا الإطار سألت احد الأطفال الذين يدخنون ممن جاءوا على محل البقالة هذا عن عمره وكم مضى له وهو يدخن, وكم سيجارة يدخن في اليوم الواحد فقال " عمري 17عاما, وأدخن من حوالي ثلاث سنوات, وأدخن في اليوم علبة كاملة "عشرون سيجارة" ", إن دل هذا الشئ فإنما يدل على حجم الكارثة, فمحلات البقالة تبيع السجائر لسن الأطفال 14 سنة واقل دون أية مسئولية أخلاقية أو اجتماعية ولا حتى دينية.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر