سامر منّاع
أحيا الفلسطيني أبو رشيد (64 سنة) ذكرى «النكبة» هذه السنة في سجن مديرية الأمن العام اللبناني، تحت جسر المتحف شرق بيروت، مستذكراً عن ظهر قلب، وعلى مسامع رفاقه في الزنزانة من سودانيين ومصريين وعراقيين، وغيرهم، كتابات اللبناني الراحل الدكتور قسطنطين زريق الذي كان من أوائل من كتبوا عن نكبة فلسطين ومحنة العرب، واستذكر أيضاً أشعار محمود درويش وفدوى طوقان، وغيرهما. لم يسجن هذا الرجل المثقف لأنه يتعاطى المخدرات. ولم يسرق في حياته، ولم يرتكب أي فعل يعاقب عليه القانون سوى الدخول إلى الأراضي اللبنانية خلسة، كونه من فئة «فاقدي الأوراق الثبوتية».
ولدت قضية فاقدي الأوراق الثبوتية من رحم نكسة 1967، وبعد أحداث أيلول (سبتمبر) في الأردن 1970، حيث اضطر فلسطينيون كثر إلى مغادرة الأردن نحو سورية ولبنان، ومعظمهم يحمل جوازات سفر أردنية خاصة بأبناء الضفة الفلسطينية، إضافة إلى من كانوا أصلاً من قطاع غزة ويحملون جوازات سفر صادرة عن الإدارة المصرية. أوقفت السلطات الأردنية والمصرية تجديد الوثائق بعد الاحتلال الإسرائيلي في 1967، وبعد وصول أصحاب الوثائق إلى لبنان مطرودين، من الأردن (1970)، أصبحوا مقيمين غير شرعيين.
ولد فوزي (أبو رشيد) في جنين، والتحق بصفوف المقاومة الفلسطينية منذ بدايات العمل الوطني. وصل إلى لبنان بداية 1970. تزوج واستقر في لبنان، وعندما لم يستطع تجديد وثيقته، أصبح يعتبر مقيماً غير شرعي، ما أدى إلى اعتقاله عشرات المرات، حتى أنهك جسده، وتمكّنت منه أمراض السكري والربو والضغط.
أبو رشيد والد لخمس بنات وولدين، أكبرهم رشيد (35 سنة) وأصغرهم لبنى (12 سنة). يجلس في زنزانته ويقلّب صورهم كل يوم عشرات المرات، قبل أن يخلد إلى النوم مثقلاً بعذابات كتبت عليه منذ الولادة.
عاش هؤلاء الفلسطينيون في لبنان وتزوجوا، من دون أن يستطيعوا تسجيل وثائق زيجاتهم وولادات أبنائهم، ووصل عددهم في 2010 إلى 4 آلاف حالة موثّقة، معظمهم من الأطفال والشباب. ويتعرض فاقدو الأوراق الثبوتية، رجالاً ونساءً وأطفالاً، للاعتقال والسجن بتهمة الدخول خلسة، على رغم أن معظمهم ولد في لبنان ولم يغادر أراضيه يوماً.
على الحدود اللبنانية ـ السورية، يطلق سراح من اعتقل منهم بعد أن يمضي أسابيع في السجن، فيعود أدراجه إلى لبنان، نظراً إلى تعذر إيجاد حلول أخرى. السجن أعاق تحرك أبناء هذه الفئة من اللاجئين، وبخاصة من حالفه الحظ بالحصول على فرصة عمل، ما أدى إلى تفاقم معاناتهم. في 2006، وضمن اتفاق شفوي بين الحكومة اللبنانية ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، اصدر الأخير «ورقة تعريف» لكثير ممن اثبتوا أنهم من فئة «فاقدي الأوراق الثبوتية». ثم توقف العمل بهذه الأوراق لأسـباب غير معلنة نهاية العام 2007، وبخاصة بعد أحداث نهر البارد.
يترقب الرجل، الذي ذُكر اسمه عبر مكبر الصوت داخل السجن، فموعد إطلاق سراحه اقترب. ينتظر يومين قبل أن تنقله سيارة الأمن العام إلى الحدود. يفتح باب الآلية وينزل منها في منطقة يعرف تضاريسها جيداً. بلهفة وشوق يشق طريقه بين الجبال، يحل الليل قبل أن يصل إلى الطريق العام ليوقف سيارة تقله إلى أقرب موقف، ينتقل بعدها بسيارة أخرى إلى بيروت ثم إلى الجنوب.
أدت التحركات التي نفّذها بعض مؤسسات المجتمع المدني في لبنان، والاتصالات بين ممثلية منظمة التحرير ولجنة الحوار الفلسطيني ـ اللبناني، إلى اتفاق يقضي باستخراج بطاقات تعريف لهذه الفئة من الأمن العام اللبناني تجدد سنوياً من دون أن تظهر حقوق حاملها.
ولأسباب غير معلنة وبقرار إداري من وزير الداخلية والبلديات توقف إعطاء هذه البطاقات بعد إصدار أكثر من 800 بطاقة حتى نهاية 2008. ثم عادت وتكثفت تحركات مؤسسات المجتمع المدني التي طرحت عدداً من الحلول المناسبة، لتسيير أمور هذه الفئة المهمّشة من اللاجئين، ومنها تسجيلهم في مديـرية شـؤون اللاجئين، كفئة خاصة ريثما يتم إيجاد حل مناسب لهم. وأعلن بداية آذار (مارس) 2010، استئناف الأمن العام اللبناني استقبال طلبات فاقدي الأوراق الثبوتية، وما زال معظم من تقدم بطلب ينتظر «بطاقة التعريف»!
عند المساء، وصل أبو رشيد إلى بيته في تجمّع القاسمية للاجئين الفلسطينيين الذي يقع على الساحل بين صيدا وصور، استقبله أفراد العائلة بسعادة لا توصف. وبعد ثلاثة أيام، تحضّر الرجل الطليق وزوجته لعيادة ولدهما البكر في طرابلس، بسبب إصابته بإعياء ادخل على أثره المستشفى. وصلت الوالدة وحيدة، إذ ألقي القبض على الوالد ـ من جديد ـ عند حاجز للجيش اللبناني وبالتهمة ذاتها، «الدخول خلسة». عاد الرجل إلى زنزانته والدائرة المفرغة التي تبدأ وتنتهي بالاعتقال. ولكنه، لم يرجع هذه المرة بل نصب خيمة عند الحدود اللبنانية ـ السورية، ووضع عليها لافتة تعريف باسم «مخيم فاقدي الأوراق الثبوتية».
أحيا الفلسطيني أبو رشيد (64 سنة) ذكرى «النكبة» هذه السنة في سجن مديرية الأمن العام اللبناني، تحت جسر المتحف شرق بيروت، مستذكراً عن ظهر قلب، وعلى مسامع رفاقه في الزنزانة من سودانيين ومصريين وعراقيين، وغيرهم، كتابات اللبناني الراحل الدكتور قسطنطين زريق الذي كان من أوائل من كتبوا عن نكبة فلسطين ومحنة العرب، واستذكر أيضاً أشعار محمود درويش وفدوى طوقان، وغيرهما. لم يسجن هذا الرجل المثقف لأنه يتعاطى المخدرات. ولم يسرق في حياته، ولم يرتكب أي فعل يعاقب عليه القانون سوى الدخول إلى الأراضي اللبنانية خلسة، كونه من فئة «فاقدي الأوراق الثبوتية».
ولدت قضية فاقدي الأوراق الثبوتية من رحم نكسة 1967، وبعد أحداث أيلول (سبتمبر) في الأردن 1970، حيث اضطر فلسطينيون كثر إلى مغادرة الأردن نحو سورية ولبنان، ومعظمهم يحمل جوازات سفر أردنية خاصة بأبناء الضفة الفلسطينية، إضافة إلى من كانوا أصلاً من قطاع غزة ويحملون جوازات سفر صادرة عن الإدارة المصرية. أوقفت السلطات الأردنية والمصرية تجديد الوثائق بعد الاحتلال الإسرائيلي في 1967، وبعد وصول أصحاب الوثائق إلى لبنان مطرودين، من الأردن (1970)، أصبحوا مقيمين غير شرعيين.
ولد فوزي (أبو رشيد) في جنين، والتحق بصفوف المقاومة الفلسطينية منذ بدايات العمل الوطني. وصل إلى لبنان بداية 1970. تزوج واستقر في لبنان، وعندما لم يستطع تجديد وثيقته، أصبح يعتبر مقيماً غير شرعي، ما أدى إلى اعتقاله عشرات المرات، حتى أنهك جسده، وتمكّنت منه أمراض السكري والربو والضغط.
أبو رشيد والد لخمس بنات وولدين، أكبرهم رشيد (35 سنة) وأصغرهم لبنى (12 سنة). يجلس في زنزانته ويقلّب صورهم كل يوم عشرات المرات، قبل أن يخلد إلى النوم مثقلاً بعذابات كتبت عليه منذ الولادة.
عاش هؤلاء الفلسطينيون في لبنان وتزوجوا، من دون أن يستطيعوا تسجيل وثائق زيجاتهم وولادات أبنائهم، ووصل عددهم في 2010 إلى 4 آلاف حالة موثّقة، معظمهم من الأطفال والشباب. ويتعرض فاقدو الأوراق الثبوتية، رجالاً ونساءً وأطفالاً، للاعتقال والسجن بتهمة الدخول خلسة، على رغم أن معظمهم ولد في لبنان ولم يغادر أراضيه يوماً.
على الحدود اللبنانية ـ السورية، يطلق سراح من اعتقل منهم بعد أن يمضي أسابيع في السجن، فيعود أدراجه إلى لبنان، نظراً إلى تعذر إيجاد حلول أخرى. السجن أعاق تحرك أبناء هذه الفئة من اللاجئين، وبخاصة من حالفه الحظ بالحصول على فرصة عمل، ما أدى إلى تفاقم معاناتهم. في 2006، وضمن اتفاق شفوي بين الحكومة اللبنانية ومكتب منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، اصدر الأخير «ورقة تعريف» لكثير ممن اثبتوا أنهم من فئة «فاقدي الأوراق الثبوتية». ثم توقف العمل بهذه الأوراق لأسـباب غير معلنة نهاية العام 2007، وبخاصة بعد أحداث نهر البارد.
يترقب الرجل، الذي ذُكر اسمه عبر مكبر الصوت داخل السجن، فموعد إطلاق سراحه اقترب. ينتظر يومين قبل أن تنقله سيارة الأمن العام إلى الحدود. يفتح باب الآلية وينزل منها في منطقة يعرف تضاريسها جيداً. بلهفة وشوق يشق طريقه بين الجبال، يحل الليل قبل أن يصل إلى الطريق العام ليوقف سيارة تقله إلى أقرب موقف، ينتقل بعدها بسيارة أخرى إلى بيروت ثم إلى الجنوب.
أدت التحركات التي نفّذها بعض مؤسسات المجتمع المدني في لبنان، والاتصالات بين ممثلية منظمة التحرير ولجنة الحوار الفلسطيني ـ اللبناني، إلى اتفاق يقضي باستخراج بطاقات تعريف لهذه الفئة من الأمن العام اللبناني تجدد سنوياً من دون أن تظهر حقوق حاملها.
ولأسباب غير معلنة وبقرار إداري من وزير الداخلية والبلديات توقف إعطاء هذه البطاقات بعد إصدار أكثر من 800 بطاقة حتى نهاية 2008. ثم عادت وتكثفت تحركات مؤسسات المجتمع المدني التي طرحت عدداً من الحلول المناسبة، لتسيير أمور هذه الفئة المهمّشة من اللاجئين، ومنها تسجيلهم في مديـرية شـؤون اللاجئين، كفئة خاصة ريثما يتم إيجاد حل مناسب لهم. وأعلن بداية آذار (مارس) 2010، استئناف الأمن العام اللبناني استقبال طلبات فاقدي الأوراق الثبوتية، وما زال معظم من تقدم بطلب ينتظر «بطاقة التعريف»!
عند المساء، وصل أبو رشيد إلى بيته في تجمّع القاسمية للاجئين الفلسطينيين الذي يقع على الساحل بين صيدا وصور، استقبله أفراد العائلة بسعادة لا توصف. وبعد ثلاثة أيام، تحضّر الرجل الطليق وزوجته لعيادة ولدهما البكر في طرابلس، بسبب إصابته بإعياء ادخل على أثره المستشفى. وصلت الوالدة وحيدة، إذ ألقي القبض على الوالد ـ من جديد ـ عند حاجز للجيش اللبناني وبالتهمة ذاتها، «الدخول خلسة». عاد الرجل إلى زنزانته والدائرة المفرغة التي تبدأ وتنتهي بالاعتقال. ولكنه، لم يرجع هذه المرة بل نصب خيمة عند الحدود اللبنانية ـ السورية، ووضع عليها لافتة تعريف باسم «مخيم فاقدي الأوراق الثبوتية».
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر