بينما كانت الرحلة الجوية رقم 830 التابعة لشركة طيران «بان أميركان» تهبط في مطار هونولولو الدولي، وبعد أن أنهى الركاب تناول وجبة الإفطار، أعمى أبصارهم فجأة ضوء باهر. وبعد ذلك سمعوا صوت انفجار. ارتجف الركاب البالغ عددهم 747 راكبا بشدة، وعمّت الفوضى في الوقت الذي كانت الطائرة تهبط فيه. وعلا الصراخ، وملأ الدخان الكثيف مقصورة القيادة، وسقطت أقنعة الأكسيجين. وفي مؤخرة الطائرة، كان تورو أوزاوا، الذي يبلغ من العمر 16 عاما، يجلس على كرسي متكئا على المسند. شُقّ بطنه، وخرجت أحشاؤه، وتسبب الانفجار في التواء رجليه. علا صوته مناديا أمه وأباه، كانا ينظران برعب وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة. لم يكن الانفجار المروع الذي وقع في الحادي عشر من أغسطس (آب) 1982 مصادفة، حيث قُتل أوزاوا بقنبلة متطورة، هي واحدة ضمن العديد من القنابل التي انتشرت مثل الفيروس في مختلف أنحاء العالم خلال الثمانينات من القرن الماضي، لتقتل وتجرح العشرات في أكثر من 24 حادثا إرهابيا. ويُكنى الرجل الذي يقف وراء هذه الحوادث بأبي إبراهيم، وكان يدير شبكة تضم نشطاء خطرين من محل إقامته ببغداد، حيث كان يعيش تحت حماية صدام حسين. وتشير تحقيقات «أسوشييتد برس» إلى أن أبا إبراهيم، الذي طواه النسيان وظن البعض أنه مات، ما زال حيا يرزق. ومنذ غزو العراق عام 2003، تمكن أبو إبراهيم من خداع قوات التحالف، ربما خلال مساعدته للتمرد السني، قبل أن يعبر الحدود أخيرا إلى سورية، حسب ما يعتقده مسؤولون في وكالة الاستخبارات المركزية ومسؤولون فيدراليون مضطلعون بتطبيق القانون.
ويحرص مكتب التحقيقات الفيدرالي على الإمساك بأبي إبراهيم، واسمه الحقيقي حسين العمري، وقد عزز المكتب من جهوده أخيرا سعيا وراءه، ونشر رسما افتراضيا له، وتعد هذه أول صورة له تنشر علنا. ولكن الوقت ينفد. ففي الوقت الذي تغادر فيه القوات الأميركية العراق، يخشى مكتب التحقيقات الفيدرالي أن يكون تحديد مكان أبي إبراهيم أصعب إذا ما عاد خلسة إلى العراق. كما سوف يتم إطلاق سراح شاهد رئيسي يمكن أن يدلى بشهادته ضد أبي إبراهيم من سجن كولورادو بعد أربعة أعوام، إن لم يكن في وقت أقرب. ويقول بوب باير، وهو عميل بارز سابق في وكالة الاستخبارات المركزية كان يعمل في منطقة الشرق الأوسط بصورة سرية: «هذه حرب على الإرهاب لم تنته، وهو جزء من هذه الحرب. كان هو الرجل الأكفأ والأكثر خطورة في مجال صنع القنابل في العالم دون استثناء خلال الفترة التي عملت فيها كضابط في وكالة الاستخبارات المركزية. يمكنه فتح الكثير من القضايا القديمة».
ويعد أبو إبراهيم، الذي يبلغ من العمر اليوم 73 عاما، شخصية أسطورية في علم الإرهاب، فهو أشبه بلاعب عرائس غامض، دائما ما يتعذر الوصول إليه، ويعمل من وراء الستار. ونادرا ما توجد صورة له، فهذا الرجل الفلسطيني لم يسجل أي شرائط، ولم يتحدث عن عدائه لإسرائيل وأميركا علنا يوما ما. ولكنه يسمح للقنابل أن ترسل أبلغ الخطابات، كما أنه يعلّم البعض مهاراته المرعبة، تلك المهارات التي اكتسبها من دراسة الهندسة الإلكترونية والكيميائية، وبعد ذلك تعلمها من «كي جي بي» (جهاز الاستخبارات السوفياتية). قيل عنه إنه شخص «عبقري»، وإنه «شيخ مصنعي القنابل»، وإنه مثل «الدكتور فرانكنشتاين»، على حد تعبير مسؤول سابق في البنتاغون. وتمتد مهنته ذات السمعة السيئة إلى عقود، حيث تم الربط بينه وبين العديد من التنظيمات (الإرهابية)، بما فيها «سبتمبر الأسود» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين». وفي عام 1979 انفصل أبو إبراهيم عن الجبهة الشعبية وشكل تنظيما تابعا له أطلق عليه «15 مايو»، وحينئذ بدأ يكتسب الشهرة في مجال صنع القنابل، وجذب انتباه الهيئات الاستخباراتية الأجنبية من مختلف أنحاء العالم. سمّى أبو إبراهيم التنظيم الجديد «15 مايو»، وهو اليوم الذي أُسست فيه دولة إسرائيل، واتخذ التنظيم من بغداد مقرا له حيث بدأ في ابتكار قنابله الخاصة. وأجرى تجاربه على نطاق واسع، وابتكر قنبلة خاصة تضمنت ملء مواسير التبريد في الشاحنات المبردة بمتفجرات سائلة. ولكن كان إنجازه الكبير عبارة عن شيء مختلف تماما وعلى نطاق أصغر كثيرا، فداخل ورشته الصغيرة، تمكن من ابتكار مزيج من المتفجرات البلاستيكية قام بحشوها في حقائب سفر وحقائب عادية، وتعتمد على أداة تفجير تجعل الانفجار يتم بعد فترة زمنية، ويطلق عليها «البطارية الإلكترونية». وكانت هذه بصمته في مجال صنع القنابل. وتمكن أبو إبراهيم من تنفيذ العديد من الهجمات بعد حصوله على مساعدة من الاستخبارات العراقية. ونفّذ هجمات في لندن وروما وأثينا. وفي غرب برلين قتل طفلا وجرح 24 آخرين بعد انفجار إحدى قنابله في مطعم يملكه إسرائيلي. ولكن أشهر عملياته هي محاولة تدمير طائرات تابعة لـ«بان أميركان» وشركة «العال». وفي الحادي عشر من أغسطس (آب) 1982، استقل محمد راشد، وهو مساعد بارز في تنظيم «15 مايو»، طائرة من بغداد إلى طوكيو مع زوجته الأسترالية المولد كريستين بينتر وطفلهما. وقبل أن يغادر راشد ـ وهو أحد تلاميذ أبي إبراهيم ـ الطائرة في طوكيو، نشّط قنبلة موضوعة تحت كرسي بجوار المقعد رقم 47k، وبمجرد أن لامست الطائرة الأرض، خرج راشد وزوجته من الطائرة، التي استمرت في طريقها إلى مطار هونولولو. وجلس أوزاوا، الذي كان يقضى الأجازة مع عائلته، على الكرسي الذي كان يجلس عليه راشد. ومع أن القنبلة تسببت في مقتل أوزاوا وجرح 14 آخرين، فإن ذلك كان نجاحا جزئيا لراشد في مهمته. وعلى الرغم من الفجوة الكبيرة في أرضية الكابينة، تمكنت الطائرة من الهبوط بسلام. ويقول داف ماغنس، وهو فني قنابل في وكالة الاستخبارات المركزية تمكن من تفكيك العديد من الأدوات التي صنعها أبو إبراهيم: «أنا متأكد من أن ذلك كان يستهدف تفجير الطائرة بالكامل». أربكت القنبلة مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الاستخبارات المركزية إذ كانوا يتساءلون: كيف تمكن حامل القنبلة من تجاوز أمن المطار دون أن يتم اكتشاف القنبلة؟ وماذا عن الكلاب المدربة على اكتشاف القنابل؟
وبعد أسبوعين، اكتشف طاقم النظافة في ريو دي جانيرو قنبلة أصابها عطب فوق طائرة أخرى تابعة لـ«بان أميركان». ومثلما كان الحال في القنبلة الأولى، كانت القنبلة تعتمد على «بطارية إلكترونية» ووُضعت تحت كرسي بجوار النافذة، وكان من المستهدف أن تفتح ثقبا في جانب الطائرة. وأصاب الارتباك مكتب التحقيقات الفيدرالي، وكان ديني كلين، وهو خبير متفجرات متقاعد يعمل لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي وأجرى تحقيقات خاصة بـ«15 مايو»، قد رأى البطارية الإلكترونية مرة واحدة من قبل، في قنبلة وضعها إرهابي تابع لمنظمة «سبتمبر الأسود» في مطار جون كينيدي عام 1973، ولكنها لم تنفجر. ولكن قال كلين إن هذا كان نوعا مختلفا من البطاريات الإلكترونية. وعرف أن القنابل ذات صلة بعضها ببعض، ولكنه لم يكن لديه المزيد من التفاصيل. ولأن راشد وبينتر استخدما جوازي سفر مزورين لشراء تذاكر الطيران، لم يعلم مكتب التحقيقات الفيدرالي اسميهما الحقيقيين وأخذ بصمة لم تشر بعدها إلى المكان الذي ذهب إليه راشد. وكانت صورهما لا قيمة لها. ماذا عن أبو إبراهيم؟ كان شبحا، يدير تنظيما لم يربطه مكتب التحقيقات الفيدرالي بالهجمات. وحصل عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي في النهاية على استراحة في عام 1984 بعد أن ذهبوا إلى سويسرا لإجراء مقابلة مع عدنان عواد، وهو منشقّ عن تنظيم «15 مايو»، حسب ما تشير إليه وثائق محكمة فيدرالية. كان أبو إبراهيم قد طلب من عواد أن ينفذ هجوما على فندق يملكه إسرائيلي في جينيف وأعطاه حقيبة بها قنبلة وبطارية إلكترونية. وعندما رفض عواد القيام بذلك أغلق أبو إبراهيم موقع تشييد كان لديه عقد فيه وجمد حساباته في البنوك. قال عواد بعد ذلك في شهادته: «كنت أشعر بالرعب، وهذا هو الوقت الذي أدركت فيه أن شيئا خطيرا يحدث وأن أبو إبراهيم لديه علاقات مع السلطات العراقية. ذهبت إلى مكتبه لأني أدركت أن له نفوذا كبيرا جدا، وقلت له إنني سأقوم بكل ما يريد».
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر