عندي اقتراح يا ابو وطن....عند الانتهاء من كل الحلقات ، ما رأيك أن تجمعها جميعا بشكل متسلسل؟
وهذا يرجع لك ايها الحر
احترامي وتقديري لك
يا راهب الفكر اعرف ما تقصد بس رح فكر يا راهب الفكر لابعيدانتهي الوقت رفيقتي أجراس فأبووطن مع الطيور المهاجرة الان
من دفاتر النكبة (20): جيش الإنقاذ بين الواقع والأسطورة../ د.مصطفى كبها |
القاوقجي يتوسط عددا من المتطوعين في جيش الإنقاذ |
قيل وكتب الكثير عن هذا الجيش، ويجرى في هذه الأقوال والكتابات خلط كثير بين الدور الذي لعبه وبين الجيوش العربية الأخرى التي دخلت فلسطين أثناء حرب ونكبة عام 1948. عندما تقرر تأسيس هذا الجيش جرت في دهاليز الجامعة العربية ومؤسساتها مشاورات ومشادات حول قادة هذا الجيش وعدده وعدته. وكي نكون منصفين للحقيقة نقول إنه من الظلم بمكان أن نطلق صفة "جيش" على بضعة آلاف من المتطوعين ( 3830 متطوعاً مسجلاً في وثائق الجامعة العربية ) لم يحسن اختيارهم وتهيئتهم للمهام الجسام التي بعثوا من أجلها. وقد كان الحماس الشديد، في بداية الأمر، هو أهم ما ميز هذه الوحدات، ولكن هذا الحماس سرعان ما خفت مع اصطدام أحلام هؤلاء المتطوعين بأرضية الواقع المرير الذي واجههم فور عبورهم نهر الأردن غرباً نحو فلسطين. فمن صعوبات لوجستية هائلة (نقصان كبير في الذخيرة والتموين ) إلى تعليمات ضبابية وفضفاضة وظروف قتال لم يحضر لها المتطوعون البتة. قادت كل هذه الصعوبات إلى هبوط حاد في المعنويات وإلى عصبية في السلوك والتصرف بحيث كان أول المعانين من ذلك المواطنون الفلسطينيون الذين فرض عليهم، بإمكانياتهم الضئيلة والشحيحة، سد ما نقص على هذا الجيش من مؤن ومعدات لوجستية أخرى ( هناك شهادات عديدة جمعناها من قرى كثيرة أقام فيها جيش الإنقاذ تحدثت عن إجبار السكان على تحضير الطعام وتزويد المتطوعين بفراش النوم وغير ذلك من المهام التي أثقلت كاهل الأهلين). بالنسبة لقادة الجيش فقد تقرر بعد أخذ ورد تعيين فوزي القاوقجي ( من مواليد طرابلس –لبنان ) قائداً أعلى لوحدات جيش الإنقاذ، وذلك نظراً لسجله العسكري الحافل، حيث كان ضابطاً ممتازاً وحاصلاً على العديد من الأوسمة في الجيش العثماني، شارك في الثورات السورية في الأعوام 1920 و 1925، شارك في الثورة الفلسطينية 1936 -1939 وفي ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941، ونظراً لميوله القومية العروبية الوحدوية، والأهم من ذلك كله قربه الشديد من الملك عبد الله (الأول ) بن الحسين ملك الأردن في حينه. عارض الحاج أمين الحسيني (الزعيم الفلسطيني الأبرز آنذاك) هذا التعيين بشدة وذلك لرواسب العلاقات الماضية التي كانت له مع القاوقجي (فشل الأخير في قيادة وحدات المتطوعين العرب في ثورة 1936 -1939 في فلسطين وكذلك الخلافات التي كانت بينهما أثناء ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941). حاول المفتي، عبثاً، إقناع أعضاء اللجنة العسكرية للجامعة العربية بأن يتولى القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني قيادة المتطوعين على أن تتمحور المساعدات العربية بالذخيرة والعتاد، ولكن مطالبه هذه وقعت على آذان صماء، عندها أعلن المفتي عن إنشاء وحدات فلسطينية مستقلة بقيادة عبد القادر الحسيني وقدامى قادة فصائل ثورة 1936 -1939 وقد أطلق على هذه الوحدات اسم "جيش الجهاد المقدس". تكون جيش الإنقاذ من ثمانية أفواج سميت بأسماء من الفترة الإسلامية الأولى أو بأسماء مواقع جغرافية فلسطينية ذات دلالة تاريخية أو أسماء دلت على البلاد التي قدم منها المتطوعون وقد كانت كالتالي: 1. فوج اليرموك الأول وتكون من ثلاث سرايا وقد بلغ عدد جنودها 500 متطوع. 2. فوج اليرموك الثاني وتكون هو الآخر من ثلاث سرايا وبلغ عدد أفرادها 430 مقاتلاً. 3. فوج اليرموك الثالث وتكون من سريتين وبلغ عدد مقاتليها 250. 4. فوج حطين وقد تكون من ثلاث سرايا وبلغ عدد أفرادها 500 مقاتل. 5. فوج الحسين (الفوج العراقي وتكون من ثلاث سرايا وبلغ عدد أفراده 500. 6. فوج جبل الدروز وتكون من ثلاث سرايا بلغ عدد أفرادها 500. 7. فوج القادسية وتكون من ثلاث سرايا بلغ عدد أفرادها 450. هذا إضافة لأربع سرايا منفصلة لم تكن تابعة لأحد من الأفواج أعلاه والتي بلغ عدد أفرادها 450 مقاتلاً على وجه التقريب. أقام فوزي القاوقجي مقر قيادته في قرية جبع (قضاء جنين) وذلك كما فعل في قدومه الأول إلى فلسطين أثناء ثورة 1936 -1939. دخلت الأفواج المختلفة الأراضي الفلسطينية الواحد تلو الآخر وذلك بعد فترة تحضير وتدريب قصيرة في مواقع تدريب أقيمت خصيصاً لهذا الغرض كان أشهرها وأهمها موقع قطنة في سورية. كان فوج اليرموك الثاني بقيادة أديب الشيشكلي ( رئيس سورية فيم بعد في الفترة الواقعة بين 1949 -1955 ) أول الأفواج الداخلة، وقد دخل من الحدود اللبنانية في التاسع من كانون الأول 1947 واستقر في بداية الأمر في منطقة عكا، وبعدها بدأ بتوزيع مناطق سيطرته لتشمل جميع مناطق الجليل الغربي ومنطقتي صفد والناصرة. بعد ذلك جاء فوج اليرموك الأول بقيادة محمد صفا (سوري ) ودخل فلسطين من الأراضي الأردنية في الثاني والعشرين من كانون الثاني 1948 وتمركز في منطقتي بيسان وجنين. في الفاتح من شباط 1948 دخل فوج القادسية بقيادة مهدي صالح العاني (عراقي ) الذي كان في البداية فوجاً احتياطياً تمركز بالقرب من القيادة العامة في جبع، وبعدها بعث ليتمركز في المنطقة الواقعة بين رام الله وباب الواد. في الأول من آذار 1948 دخل الأراضي الفلسطينية فوجان من جيش الإنقاذ: الأول كان فوج حطين بقيادة مدلول عباس (عراقي) وتمركز في قضاء طولكرم، أما الثاني فكان فوج الحسين بقيادة عادل نجم الدين (عراقي) وكان مركزه داخل مدينة يافا. في الخامس عشر من أيار تم تعيين الضابط الفلسطيني ميشيل العيسى قائداً لهذا الفوج بدلاً من عادل نجم الدين. وقد استمر العيسى في منصبه هذا حتى سقوط مدينة يافا في الثاني عشر من أيار 1948. وضعت باقي أفواج جيش الإنقاذ في موقع الاحتياط وتمت الاستعانة ببعضها، بشكل محدود للغاية، حتى دخول الجيوش العربية النظامية فلسطين في الخامس عشر من أيار 1948. من ناحية الأداء في الميدان، عانى هذا الجيش من مستوى معنوي منخفض، وذلك بعد الاحتكاكات الأولى التي جرت مع القوات اليهودية الشيء الذي أدى إلى انتشار ظاهرة الفرار من الخدمة لدى أفراده. بالإضافة لذلك، كانت هناك صعوبات جمة في كل ما يتعلق بالانضباط، وهذا بطبيعة الحال أمر ناتج عن اختلاف المشارب وقلة التدريب وسوء التهيئة. فالمتأمل لوثائق هذا الجيش (التي سقط جزء منها غنائم في أيدي القوات اليهودية بعد معركتي مشمار هعيمق والزرّاعة ) يرى بشكل واضح قلة النظام والعفوية التي ميزت أساليب عمل وحدات هذا الجيش. فقد كتب أحد جنود فوج اليرموك الأول في يومياته قائلاً: " في يوم الجمعة الموافق الأول من كانون الثاني 1948 تطوعت في فوج اليرموك الأول ضمن سرية الدير (دير الزور، م. ك) وذلك للاشتراك بالدفاع عن الأراضي المقدسة وعن الوطن العربي العزيز. خرجنا من دير الزور إلى حماة ومن هناك إلى قطنة وفيها مكثنا ثلاثة أيام حتى أخذنا الأوامر بالتوجه إلى فلسطين. خرجنا من قطنة في تاريخ 1948. 1. 7، كان اليوم يوم خميس. من قطنة اتجهنا لعمان ومن هناك باتجاه المناطق الفلسطينية. عندما اجتزنا الحدود الأردنية رافقتنا وحدة من الجيش الأردني حتى عبورنا النهر. في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل كانت لنا استراحة قصيرة قدم لنا فيها التمر. خلال أكلنا للتمر فوجئنا بتعليمات جديدة تطالبنا بالاستعداد للمسير. أحد زملائنا واسمه حران بقي نائماً حيث كنا، أما زيدان "شيخ الشباب " فقد نسي بندقيته لأنه كان مشغولاً أكثر بتناول التمر". إن المتأمل لوصف هذا الجندي ولأمور أخرى ذكرها ويضيق المكان عن ذكرها هنا، يؤكد الصورة التي حاولنا رسمها لأداء جيش الإنقاذ أعلاه، تلك الصورة التي تجعل من عملية نجاح هذا الجيش بالمهمات التي أنيطت به أمراً أقرب للمستحيل. مع ذلك دخل هذا الجيش فلسطين وحاول قادته تنفيذ ما أوكلوا به. وعن مدى نجاحهم في ذلك سنتحدث في الحلقة القادمة بمشيئة الله. |
من دفاتر النكبة (21): جيش الانقاذ بين الواقع والأسطورة (2)../ د. مصطفى كبها |
في حلقة سابقة تطرقنا للظروف التي أنشئ فيها جيش الإنقاذ وإلى تركيبته البشرية والتنظيمية. وفي هذه الحلقة سنتطرق لوقائع ومعوقات نشاط هذا الجيش في الميدان، منذ قدوم طلائع وحداته إلى فلسطين في نهاية كانون الأول 1947 وحتى تقهقر ما تبقى ما تبقى من وحداته في منطقة الجليل في نهاية تشرين الأول 1948. عانى هذا الجيش، من الناحية اللوجستية الكثير من النقص في المواد التموينية والذخيرة، ومن العيوب الجمة وعدم صلاحية المواد التي استلمها فيس هذا المضمار. فالمتمعن في وثائق هذا الجيش بوسعه أن يرى شكاية دائمة قدمت من الجنود والضباط إلى قادة الأفواج وأعضاء اللجنة العسكرية للجامعة العربية، بحيث تضمنت هذه الشكاوى تذمراً من النقص في المواد الغذائية والذخيرة أو فساد المواد القتالية وعدم صلاحياتها للاستعمال. بالنسبة لنقص المواد الغذائية، قام الضباط بالضغط على الأهالي بغية تزويدهم بالطعام والفراش والأغطية، الأمر الذي أدى بدوره إلى احتكاكات مع الأهالي وذلك لشح الموارد وعدم قدرة الأهالي على تحمل أعباء النهوض باحتياجات الجنود لا سيما وأنهم استطاعوا بالكاد توفير حاجات منازلهم وعائلاتهم. أفقدت هذه الاحتكاكات جيش الإنقاذ تعاطف الأهالي وترحيبهم به. أما فيما يتعلق بالذخيرة فقد كان واضحاً بأنه لم يكن باستطاعة الأهالي تزويد الجيش بها، ومن هنا انصبت الشكاوى جميعاً في رسائل شبه يومية كانت موجهة إلى أعضاء اللجنة العسكرية التي وقف على رأسها اللواء إسماعيل صفوت (عراقي ) أو المفتش العام لجيش الإنقاذ العميد طه الهاشمي (وهو عراقي أيضا). عرضت هذه الرسائل صورة قاتمة عن الوضع في المناطق التي عمل فيها جيش الإنقاذ، فقد جاء على سبيل المثال في رسالة بعثها قائد حامية بيسان من قبل جيش الإنقاذ إلى الجنة العسكرية: "منذ يوم التاسع عشر من شباط 1948، حيث استلمت الذخيرة المخصصة للدفاع عن مدينة بيسان، قمت بتعيين 40 شخصاً في مواقع مختلفة في المدينة ولكني لم أجد أكثر من خمسين مشطاً من الذخيرة، هذا بالإضافة إلى أنني لم أجد فتائل إشعال للديناميت، هذا فضلاً عن أن نسبة عالية من الذخيرة كانت عديمة الصلاحية، فالعديد من الجنود لم يفلحوا بإطلاق طلقة واحدة من بنادقهم". في حالات أخرى كان هناك نقص شديد بموارد الطاقة وخاصة البنزين، فعلى سبيل المثال بعث قائد سرية في فوج اليرموك الأول برسالة إلى قائد الفوج جاء فيها: "لقد نفذ البنزين لدينا بشكل كامل، منذ ثلاثة أيام لا يوجد لدينا حتى لتر واحد من البنزين". مع ازدياد حدة هذه الصعوبات وازدياد تذمر الجنود، بدأت تطفو على السطح مظاهر خرق الانضباط وحتى العصيان والهروب من المعسكرات والمواقع. قصص كثيرة و"مثيرة " في هذا المجال يمكن أن نجدها في يوميات الضابط الأردني محمد أبو صوفة الذي كان قائداً لسرية "الصاعقة" في فوج اليرموك الأول. وفور توليه دفة قيادة هذه السرية حاول الضابط أبو صوفة التعامل مع مخالفات الجنود بشيء من التسامح ولم تتعد درجة العقاب التي فرضها على الجنود إلغاء وجبة من الوجبات اليومية المخصصة للجنود أو إضافة ساعات حراسة على حصة الجندي المخالف وما إلى ذلك من أوجه العقاب الخفيفة، ولكن ومع تزايد عدد هذه المخالفات وحين أصبحت "تياراً جارفاً"، كما وصفها أبو صوفة في يومياته، قام بجمع جميع أفراد السرية ووقف فيهم خطيباً حيث قال: "حاول بعض الجنود الهروب، وهؤلاء سيعاقبون بالسجن والفلقة (الجلد بالسوط على أسفل القدم، م.ك). كل جندي سيحاول الهروب من الآن فصاعداً سيجلد ويسجن قبل أن يعدم بالرصاص لأن كل من يفعل ذلك هو بمثابة خائن ومتعاون مع اليهود". لكن تهديد أبي صوفة هذا لم يكن، كما يبدو، مؤثراً بما فيه الكفاية لأن محاولات الهروب استمرت، واستمر معها تناقص عدد أفراد السرية، وذلك حسب ما جاء في رسالة بعثها أبو صوفة إلى قائد الفوج مشفوعة بقرار الاستقالة الذي رفضه القائد مجبراً أبا صوفة في وظيفته مكرهاً ومحبطاً. على الصعيد الميداني، لوحظ منذ بداية المبادرات العسكرية التي قام بها جيش الإنقاذ أنه يحاول السيطرة والتمركز في المساحات المخصصة للدولة العربية حسب قرار التقسيم ولم يحاول، ولو لمرة واحدة، أن يشذ عن ذلك. هذا الأمر يمكنه أن يفسر عدم محاولة البريطانيين (الذين كانوا من الناحية العملية المسؤولين الأمنيين عن كافة مساحة فلسطين الانتدابية حتى تاريخ 1948. 5. 15 ) منع جيش الانقاذ من تنفيذ مهامه بل إن المتمعن في وثائق جيش الإنقاذ والوثائق البريطانية من تلك الفترة بأنه كان هناك شيء من التنسيق الأمني الصامت بين الطرفين، وكما يبدو فإن ثمن هذا التنسيق كان عدم دخول الأراضي المخصصة للدولة اليهودية. على الأرض، تمركزت أفواج هذا الجيش في منطقتين أساسيتين: الأولى كانت منطقة المثلث الكبير ( جنين – نابلس – طولكرم ) والتي ضمت إليها من الجنوب منطقة لواء اللد ( التي ضمت قضائي يافا والرملة )، ومن الشمال منطقة الكرمل والروحة ومرج ابن عامر، بحيث كانت كافة هذه المناطق تحت القيادة المباشرة للقائد العام فوزي القاوقجي. أما المنطقة الثانية فكانت في الشمال حيث ضمت مناطق الجليل الأعلى والجليل الأسفل ومنطقة الساحل الممتدة من عكا حتى الحدود اللبنانية، وقد قاد هذه المنطقة العقيد أديب الشيشكلي. وقد بقي هذا التقسيم قائماً حتى دخول الجيوش النظامية العربية في الخامس عشر من أيار 1948. ولكن جيش الإنقاذ، وقبل مجيء هذه الجيوش، خاض جملة من المعارك وعن تفاصيلها سنتحدث في الحلقة القادمة. |
من دفاتر النكبة (22): جيش الإنقاذ بين الواقع والأسطورة (3)../ |
تطرقنا في الحلقتين السابقتين إلى الإطار التاريخي الذي عملت فيه أفواج جيش الإنقاذ التي عملت في فلسطين، ورصدنا القيود والقسريات العديدة التي عمل فيها هذا الجيش. وفي هذه الحلقة سنتطرق إلى أهم المعارك التي خاضها. تمحورت خطة العمل الميدانية لجيش الإنقاذ منذ البداية حول هجمات تكتيكية ضد مستوطنات ومواقع يهودية محصنة أو واقعة على مفارق الطرق الرئيسية وضمن هذه الخطة يمكن أن تقع المعارك التالية: 1. معركة قلعة جدين (يحيعام ): تقع قلعة جدين (وهي قلعة تاريخية قديمة) في منطقة الجليل الأعلى، وهي منطقة مشرفة وحصينة تقع في منطقة وعرة يصعب الوصول إليها. وأقرب القرى العربية إليها هي قرى معليا وترشيحا. حصل الهجوم على هذه المستوطنة في الليلة الواقعة بين 22-23 كانون الثاني 1948، وقد شارك فيه سرية من فوج اليرموك الثاني وبعض رجال جيش الجهاد المقدس بقيادة خليل محمد عيسى (أبو إبراهيم الكبير) أحد أهم رجال المفتي في الجليل وقائد منطقة الجليل الأعلى في فترة ثورة 1936 -1939. بلغ عدد المهاجمين قرابة 120 مقاتلاً كانوا مسلحين بالبنادق والقنابل اليدوية وبعض المدافع الرشاشة. كان في القلعة حامية يهودية لم يزد عدد أفرادها عن الثلاثين. هاجم جنود أبي إبراهيم القلعة بالبنادق الرشاشة والقنابل اليدوية ولكنهم لم يستطيعوا اقتحامها بسبب التحصينات القوية وحسن تسليح حاميتها. وعندما لم يفلح المهاجمون بالاقتحام ضربوا على القلعة حصاراً من جميع الاتجاهات بقصد إجبار الحامية على التسليم ولكن ذلك لم يحصل بسبب وصول الإمدادات للحامية من الجو بحيث جرى إسقاطها داخل القلعة، وقد استهلك المهاجمون معظم ما كان لديهم من ذخيرة ومؤن الشيء الذي أجبرهم في النهاية على إخلاء مواقعهم وفك الحصار عن القلعة لا سيما أنهم خسروا قرابة العشرين شهيداً في محاولات الاقتحام الفاشلة للموقع. ومن الجدير ذكره هنا أن القوات اليهودية الواقعة في نهريا حاولت تمرير قافلة تموين وذخيرة إلى مستوطنة يحيعام المعزولة في منتصف آذار 1948، ولكن هذه القافلة أوقفت في قرية الكابري العربية وأبيد معظم من كان فيها. وقد تحدثنا عن ذلك في حلقة سابقة من هذه السلسلة تحت عنوان "معركة الكابري". 2. معركة الزراعة (طيرات تسفي): الزراعة قرية فلسطينية من قضاء بيسان الانتدابي، وهي تنتمي لمجموعة القرى الفلسطينية التي كانت قد هجرت قبل عام 1948. وقد أقيمت على أراضيها مستعمرة طيرات تسفي. كان قائد الهجوم على هذه المستوطنة الضابط السوري محمد صفا، قائد فوج اليرموك الأول، وقد وقف على رأس فرقة من المشاة بلغ تعدادها قرابة الـ400 مقاتل. حصل الهجوم في الليلة الواقعة بين السادس عشر والسابع عشر من شباط 1948. كان توقيت الهجوم بائساً ومفتاحاً للفشل، حيث كانت تلك الليلة ليلة شديدة الأمطار وقد غاص المهاجمون المشاة في الأوحال المحيطة بالمستوطنة التي أحاطتها خطوط الدفاع القوية والأسلاك الشائكة من كافة الجوانب. وبإمكان المتأمل لهذا التوقيت وتلك الظروف أن يتوقع مصير بضع مئات من المهاجمين المشاة يحاولون اقتحام حصون وقلاع وهم غائصون في الأوحال وفي الحصون قناصة مهرة جنبتهم حصونهم معاناة الأمطار الهاطلة والأرض الموحلة. سقط في الهجوم قرابة 70 شهيداً ومثلهم عدد الجرحى. كان من بينهم بعض المتطوعين اليمنيين الذي أبلوا في المعركة بلاء حسناً، واستطاعوا الوصول إلى بعض التحصينات واقتحامها رغم قسريات الظروف واستحالة التقدم. وقد تعرض قائد الهجوم، المقدم محمود صفا، إلى الهجوم الشديد من الصحافة العربية في ذلك الوقت متهمة إياه بالتقصير وسوء الإدارة والتخطيط، ولكن ذلك النقد لم يجعل القيادة العليا تحرك بشأنه ساكناً. كان للفشل في هذه المعركة التأثير المدمر على معنويات فوج اليرموك الأول ولم يقوموا بعدها بأي عمل عسكري مؤثر سوى بعض الحركات الاستعراضية التي تضمنت إقامة الحواجز على الطرق ومهاجمة بعض المركبات اليهودية السائرة عليها. 3. معركة مشمار هعيمق: كنا قد تطرقنا في حلقة سابقة من هذه السلسلة لهذه المعركة، وعليه لن نطيل التفصيل بصددها ويكفي أن نذكر بأنها خططت وأديرت، هذه المرة، من قبل القائد العام للجيش فوزي القاوقجي. وقد كان لفشل هذه المعركة، في المحصلة النهائية، الأثر الكبير في تدن المعنويات لدى جنود جيش الإنقاذ وبالأساس لدى المدافعين عن القرى الفلسطينية في مناطق الروحة ووادي عارة ومرج ابن عامر. فقد سقطت أثناء الهجوم المضاد الذي قامت به القوات اليهودية بين الثاني عشر والرابع عشر من نيسان 1948 على إثر تراجع قوات جيش الإنقاذ عن محيط مستوطنة مشمار هعيمق في التاسع والعاشر من الشهر ذاته كل من قرى الغبيات وقيري وأبو زريق وأبو شوشة والنغنغية والكفرين ودالية الروحة والريحانية من منطقة شمال - شرق الروحة، واختلت خطوط الدفاع في قرى السنديانة وبريكة وصبارين وخبيزة وأم الشوف في منطقة وسط وغربي الروحة إلى أن سقطت نهائياً في الثاني عشر من أيار من العام ذاته. وقد شكل سقوط هذه القرى ضغطاً شديداً على قرى وادي عارة التي هاجمتها القوات اليهودية مراراً، وفشلت في احتلالها ككفر قرع التي هجر أهلها لمدة أحد عشر شهراً على اثر معركة دامية حصلت في الثامن من أيار 1948، ومعاوية التي هدمت بشكل شبه كامل، وكذلك قرى مصمص ومشيرفة التي تعرضت الكثير من منازلها للهدم جراء القصف وأعمال التفجير التي قامت بها جماعات "البالماح" اليهودية المسلحة. وهكذا كانت نتائج المعارك الثلاث الكبيرة التي خاضها جيش الإنقاذ قبيل حضور القوات العربية إلى فلسطين فاشلة على الأغلب ومثبطة للعزائم والمعنويات. أما عن المعارك التي خاضها هذا الجيش بعد قدوم الجيوش النظامية، في منطقة الجليل تحديداً، وخاصة معركة هوشة والكساير فسنتحدث في الحلقة القادمة بمشيئة الله. |
أعضاؤنا قدموا 55466 مساهمة في هذا المنتدى في 24071 موضوع
هذا المنتدى يتوفر على 1233 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو ماية فمرحباً به.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر