السؤال الاستراتيجي التقليدي الذي يعرفه الجميع عن «لينين»: ما العمل؟ ، بيد أن أحد الأخوة أضاف مؤخراً سؤالاً أعتقد أنه في الحالة الفلسطينية يوازي هذه الأهمية، كان سؤاله: إلى متى؟ ، وهو سؤال ليس مطلقاً ولا مرسلاً على علائم الغيبيات، إنه سؤال محق عندما يتعلق بموضوعة البقاء في حالة «انفعالية» دائمة تخص القضية الفلسطينية، وعدم الولوج إلى حالة «فعلية» حقيقية تقود مرحلة وضع المبادرة، والتحضير لها، والتناغم في إنجاحها، بدلاً من عملية الدوران المستمرة في حالية ووضعية «المنتظر» والمستلم معاً.
أهمية هذا السؤال حينما يقترن مع محاولة إيجاد الإجابة الشافية، والصيغة الوطنية الفلسطينية السليمة، أمام المرحلة القادمة والتي بدأت بعض ملامحها بالاتضاح، فالمهمة القادمة وتحدياتها ستكون واحدة من أكثر المراحل حسماً في آفاق اتجاهات الصراع مع العدو، ومستقبل إدارة هذا الصراع، ومستوى المحاصيل ونوعيتها أيضاً، هذا السؤال وهذه الأجوبة لم تعد مهمة فصيل بعينه في الساحة الوطنية الفلسطينية اليوم، بل أصبحت هي مهمة الكل الوطني دون استثناء ولا يجب أن يظنّن أحد ما أنه غير مدعو لهذه المهمة، أو أن يكتفي بالفرجة والتفويض كبعض العادة، في بعض السياقات التاريخية الفلسطينية، والموقف الوحيد السليم وطنياً هو موقف المشاركة بفاعلية، إذ أن أهم ما يتصدّر قائمة الواجبات الوطنية اليوم: صياغة الوحدة الوطنية، والاتفاق على البرنامج الوطني الفلسطيني، وتمتين الشرعيات الوطنية الفلسطينية، واستعادة المبادرة بتقديم صيغة خيارات استراتيجية متعددة، وتحشييد كافة طاقات أبناء هذا الشعب خلف هذا كله في البيت الفلسطيني الكبير والخيمة الوحيدة (م.ت.ف)، ببوصلة وطنية فلسطينية وقرار وطني مستقل.
نحن في أجواء بعض الأخبار المشجّعة من القاهرة، والتي أشارت إلى اتفاق مبدئي بين فصيلين كبيرين في الساحة الفلسطينية، حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح»، وحركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وأن طريق الحوار الوطني الفلسطيني قرب نهاية هذا الشهر ستكون سالكة، وأن ثمة أخباراً مشجعةً في هذا الإطار، هذا كله جميل ومبعث تفاؤل لكل وطني فلسطيني، بيد أن النصيحة التي نود أن تكون حاضرة في أذهان الجميع اليوم، أن القضايا الوطنية الكبرى والصغرى لم تعد مسألة تحتمل أية مناورات، وأن موعداً للحوار الوطني يجب أن ينتهي فعلياً بتحقيق دليل سياسي حقيقي لجملة المهام الوطنية المطلوبة ملحاً مستندة إلى الضوابط الوطنية التي اشرنا إليها آنفاً، وأن أي فشل أو إخفاق مهما كان حجمه ونوعه هو فشل قاصم للظهر تماماً، وستدفع الفاتورة هذه المرة كل الجغرافيا الوطنية الفلسطينية بلا استثناء، وعليه فالمهمة ليست اعتيادية وهي مهمة وطنية من الدرجة الأولى ندعو لها بكل توفيق وفي أقرب وقت ممكن ولا بأس بلجانها ومحاور الحديث حولها وكل ما ذكر في هذا لا خلاف عليه..
تستحق المرحلة برمتها ومنذ أوسلو إلى اليوم عملية مراجعة وطنية فلسطينية داخل (م.ت.ف)، وحتى على طاولة الحوار الوطني الفلسطيني بالطريق إلى خيمة (م.ت.ف) الجامعة، ومن المؤكد أن المراجعة الحقيقة لا تخلو من ممارسة المراجعة والنقد الذاتي، وإلا فهي عملية تجميلية أو تبريرية جزءاً من إدارة عملية علاقات عامة في الطريق إلى إكمال منظومة «المونولوج» التي سبق وأن سادت فترة طويلة في الساحة الوطنية، ولكن هذه المرة ممارسة تحت غطاء شكلي من يافطة الحوار و«الديالوج»، والقيمة المفيدة في مثل هذه العملية ستكون قد ضاعت أصلاً من اختلال منظومة النوايا وخطوات ترسيم الثقة وهي الوحيدة الكفيلة دوماً بإطلاق سياقات وآفاق أي حوا رمن أي نوع إلى فضاءات خصبة ومدهشة، وممارسة من هذا النوع عندما تقترن بالنقد الذاتي وانسيابية حركة الأفكار بين الأطراف، ستكون عملية مثمرة وطنية للحاضر والمستقبل وستكرّس شروط المناعة الذاتية الوطنية، بشرط أن يجري كل ذلك في مناخ وطني فلسطيني مستقل ومستقر بعيداً عن البروبوغاندا وممارسة البهلوانيات الإعلامية أو الاستجابة لها.
حركة التحرير الوطني الفلسطيني «فتح» هي على أبواب مؤتمرها السادس في آذار، وأهم ما يجب أن يكون في بؤرة هذا المؤتمر هو فرصة للمراجعة والنقد والنقد الذاتي، و«فتح» تحديداً منذ فترة ليست بالقصيرة وفي الطريق إلى مؤتمرها شهدت كثيراً من مفاصل هذه المراجعة الشاملة التي ربما تحتاج إلى استكمال داخل مؤتمرها، هي قامت بهذه المراجعة في كثير من الأحيان حتى خارج الأطر، ومع أنها ليست الموضع الأنسب لذلك إلا أنها بقيت على كل حال جرآء طول الطريق بين موعد المؤتمرين من جهة، وعصف الأحداث السياسية في المنطقة والعالم من جهة أخرى، موضعاً مقبولاً إلى حد ما على علاته الكثيرة، والمهم أنها أحدثت هذه الخطوة النوعية ولو جزئياً، في المقابل فإن بقية فصائل منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الإسلامية سواء «حماس » أو «الجهاد الإسلامي» كانت خطاها في هذا الاستحقاق خجولة بعض الشيء ونادرة في كثير من الأحيان، لكن مواقف أخيرة من مسألة محاولة تحطيم (م.ت.ف) وسياق إعلان مشعل وما صاحبه، جاءت من قيادات وطنية في حماس مثلما هي من قيادات وطنية في الجهاد، أعطت مؤشراً على الاقتراب من مناخات هذه المراجعات، ولعل الإعلان الأخير الذي صدر عن اجتماع السيدين أحمد قريع ونبيل شعث عن «فتح» ، والسادة موسى أبو مرزوق وبقية وفد «حماس» يمكن أن يكون ثمرة أولية في هذا الاتجاه، بيد أنه ليس كافياً بعد لمرحلة تتطلب العمق والشمولية والكثافة!
في رأينا أن مراجعة حركة «فتح» الشاملة ونقدها الذاتي يجب أن يتناول عدة مسائل هامة:
الأولى:- تبدأ باختلال مسألة التنظيم، وغياب الدور التنظيمي الفاعل منذ البداية، واضطرابات العلاقات داخل الأطر، ووعكات الحياة التنظيمية الفتحوية- جرى تدارك بعضها أخيراً-، وتحميل التنظيم مسؤولية السلطة الوطنية ومشروعها، بدءاً بالعنصر البشري وصولاً إلى العناصر المادية الباقية.
الثانية:- في مسألة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية، في الطريقة التي جرى فيها تقاطع التفويضين، وفي الطريقة التي جرت فيها عملية تفريغ (م.ت.ف) لصالح السلطة وهياكلها بدلاً من العلاقة الطبيعية بعكس هذا الاتجاه، والأهم أن يجري ذلك ليس جزءاً من مناورة زمنية محددة وهو ربما كان سيكون عندها مقبولاً بشروط ذلك، ولكن أن يجري هذا مفتوحاً على تلاعب حكومة العدو بالزمن وقيادتها مساقات المرحلة بالفعل وترك ردود الفعل المتاحة هامشية وصولاً إلى النتائج على الأرض اليوم.
الثالثة:- في مسألة القيادة وفروعها ومستوياتها وتنازعاتها وتشظيها وأحياناً معسكراتها داخل اللجنة المركزية تحديداً، وأحياناً بين اللجنة المركزية وبين المجلس الثوري، وغياب ضمانة النيابة في القيادة الفتحوية وحتى في قيادة (م.ت.ف) والتي كانت ستكفل على الأقل نوعاً من الحماية وعدم الاختلال القيادي في مراحل العمل السابقة، ودور اختلال المستوى القيادي في الخسارات الانتخابية وحصول الانقلاب الحزيراني المشئوم من قبل «حماس».
الرابعة:- في المسألة السياسية في المفاوضات والمقاومة وعلاقات البرنامج والتجربة، في محاولات وضع سياقات تحويلية لحركة «فتح» إلى الحزبية قبل تحقيق أي هدف ولو مرحلي في البرنامج السياسي الفتحوي، في التكتيكات والاستراتيجيات، في العلاقات الوطنية وإدارة الصراعات الأساسية والثانوية، في مصيبة الانقلاب والانقسام وصولاً إلى مستوى تهدد وجود (م.ت.ف) وترهن القرار الوطني المستقل وتفتح باب الوصاية الإقليمية والدولية على القضية الوطنية بسبب فراغات نشأت في إدارة الجمل السياسية الفلسطينية.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر