بقلم: بثينة رشيد
هذه الفتاة هي هدى حنّا التي عاشت أحداث النكبة فرأت قتل الشباب في الساحات وفي المساجد والكنائس.. وشاهدت أحداث اللجوء من سير مسافاتٍ طويلة ونصب الخيم والمعاناة اليومية في أيام الحر والبرد القارس وسمعت من ناسٍ رأوا وبأم أعينهم المجازر في دير ياسين والطيرة والطنطورة وفي الرامة مجازر ُقطعت فيها الرؤوس وشُقت فيها البطون وحُرقت العيون ورُميت الأجساد في الآبار ليمحى الأثر. نعم هدى سمعت وشاهدت الوجوه والقلوب تتألم وأحست بالأقدام تتحسر على يومٍ مشت فيه في الاتجاه الخطأ مشت وتركت الأرض علّها تعود بعد يوم أو يومين أو أكثر المهم أن تعود ولو طال الزمن.. ولكنها لم تعد وتمضي الأيام والسنون وتكبر هدى.. خارج الديار، فتكبر فلسطين في قلبها وتزهر وتصبح أجمل.. فتكتب هدى عن عشقها للأرض والناس للزيتون والرمان، للطرق الفرعية والرئيسية لهواء فلسطين لنسائمها و لزقزقة عصافيرها.. ولبيوتها وسحر ترابها.
إصدارات للكاتبة هدى حنا
إصدارات للكاتبة هدى حنا
السادسة و العشرون كان عمر هدى عندما استعجلتها والدتها للهروب من سور البيت الخلفي للالتحاق بالناس السائرين من القرى المجاورة، صعدت هدى السور ومشت مع الناس مشت بتثاقل مستبطئةً الرحيل،أما من الجهة الأخرى فكانت الوالدة تحثها السير ملوحةً بمنديلها فتبتعد الوالدة ويبتعد المنديل ويغيب شجر الزيتون ويغيب معها البستان، وتغيب الرامة وتغيب معها كل الديار . أما الوالدة فبقيت في الرامة وبقيت في الدار قرب البستان وقرب أشجار الزيتون وبين أحجار السور المتراكبة فوق بعضها البعض دونما انتظام لتبقى شاهدةً على ذكرى ملامسةٍ أخيرةٍ ليدي هدى المتسلقة لتلحق بشعبٍ أصبح يُعرف بعدما غادر الكروم وغادر الحدود، يُعرف بالشعب اللاجئ.
هذه الفتاة هي هدى حنّا التي عاشت أحداث النكبة فرأت قتل الشباب في الساحات وفي المساجد والكنائس.. وشاهدت أحداث اللجوء من سير مسافاتٍ طويلة ونصب الخيم والمعاناة اليومية في أيام الحر والبرد القارس وسمعت من ناسٍ رأوا وبأم أعينهم المجازر في دير ياسين والطيرة والطنطورة وفي الرامة مجازر ُقطعت فيها الرؤوس وشُقت فيها البطون وحُرقت العيون ورُميت الأجساد في الآبار ليمحى الأثر. نعم هدى سمعت وشاهدت الوجوه والقلوب تتألم وأحست بالأقدام تتحسر على يومٍ مشت فيه في الاتجاه الخطأ مشت وتركت الأرض علّها تعود بعد يوم أو يومين أو أكثر المهم أن تعود ولو طال الزمن.. ولكنها لم تعد وتمضي الأيام والسنون وتكبر هدى.. خارج الديار، فتكبر فلسطين في قلبها وتزهر وتصبح أجمل.. فتكتب هدى عن عشقها للأرض والناس للزيتون والرمان، للطرق الفرعية والرئيسية لهواء فلسطين لنسائمها و لزقزقة عصافيرها.. ولبيوتها وسحر ترابها.
إصدارات للكاتبة هدى حنا
وهدى حنا كاتبة فلسطينية من مواليد الرامة1926درست الحقوق لتدافع عن المظلومين ولكنها أحست أن العدل والحق والقانون كلمات تنتعش وتتلاقى في الهواء الطلق ولكنها تجد صعوبة في الهبوط على الأرض لتنغرس فيها وتحصد مواسم عدل وأمان فتحولت عن ممارسة القانون إلى التدريس علّها بزرع مفاهيم الحق ونصرة المظلوم تحصد بشراً يدافعون عن هذه القيم و عن هذه المفاهيم وهكذا عملت معلمة في فلسطين تستيقظ كل صباح على زقزقة عصفور أو صياح ديك أو شعاع نور من شمس الرامة الدافئة وتنهض و تسير على الطرق الترابية والإسفلتية ً وتصل إلى مدارس فلسطين وتعلم هناك أبناء بلداتها حروفهم الأولى في عشق الوطن ومحبته فتشعر بالرضا، وقد كانت الحياة جميلة هادئة وكان الناس طيبين ومتسامحين وكان الجميع ومن كل الأديان والمذاهب يعيش بسلام يعملون، يسهرون، يدردشون، ويتسامرون، ويقيمون الأفراح ويزور بعضهم البعض في السراء والضراء وكانوا يحبون الحياة ويجلونها .ولكن هذه الحياة لم تدم طويلاً فالإنكليز لم يرق لهم هذا التآخي وهذه الألفة بين الفلسطينيين فتعاونوا مع عدو جديد خطف الأرض و سرق من هدى عالمها وحلمها وأرضها فرحلت مع اللذين رُحلوا قسراً إلى بنت جبيل في لبنان ثم الى الشام والى جبل الشيخ في جنوب سوريا حيث أقارب الوالدة فالوالدة من سوريا، ومن مفارقات الأمور بأن والدتها السورية بقيت في فلسطين وماتت في فلسطين أما الوالد الفلسطيني فقد هُجِّر من فلسطين ومات في حينا / جبل الشيخ في سوريا حيث موطن الوالدة الأصلي وهذه مفارقة غريبة تحكيها هدى بشجون كبير. ولأن هدى تعشق الأحلام وتسعى لتحقيقها مارست مهنة التعليم في سوريا في المدارس المسيحية ثم وفي عام 1950 ذهبت الى العراق والى بغداد والى قرية العزيزية بالتحديد حيث الناس هناك من المسلمين الشيعة اللذين رحبوا بها أشد ترحيب وهدى الآن تتذكر أهل العزيزية بحبٍ و بألم بالغ وخصوصاً عندما تشاهد وتسمع ما يحصل في العراق، فهي لا تنسى كيف شربت نساء العزيزية معها من نفس الكأس ومن نفس موقع الشفة تعبيراً ً عن التقدير والاحترام للمعلمة الفلسطينية التي مارست مهنة التعليم بكل الحب والإخلاص،.وكيف كنَّ يُحطنها بعادات الكرم والجود بغض النظر عن دينها ومعتقدها. وبعد هذه الرحلة في العراق ولمدة عام واحد تعود الى أرض الشام وتلتحق بالأونروا للعمل في مجال الخدمات الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين وتنتقل هدى في عملها هذا من حلب إلى القنيطرة وتعمل هناك إلى أن تشهد مع إخوانها السوريين نكسة حزيران 1967حيث رحيل آخر وألم آخر ونكبةٍ أخرى، إلا أن الأمل يتربص بها مرةً أخرى ويشحنها بمزيد من شحناته فتستقطبها شرايين دمها وتعود مرةً أخرى للعمل من جديد في حقل الخدمات الاجتماعية والتعليمية لتقدم لشعبها الفلسطيني بعضاً مما يستحقه وهو الذي ظُلم أشد الظلم وعانى أشد المعاناة، والجدير بالذكر أن هدى حنا هي أول أديبة فلسطينية تكتب عن أحداث اللجوء وأحداث النكبة والمعاناة المريرة فقد كتبت رسائلها وقصصها الأولى وجمعتهم في كتاب عنونته "صوت الملاجئ " وذلك في عام 1950حكت فيه عن قصص الرحيل والعذاب الأسود وعن قصص المُرحلين المشردين و قصص الحزانى و الثكالى قصصٌٌ يجب أن يتم التذكير بها وعدم نسيانها مهما طالت بنا الأيام وهذا ليس لأننا شعب حقود لا ينسى بل لأن حقوقنا ما زالت منسية و لأن عدونا مازال أمام أعيننا يمارس طغيانه وعنصريته ودمويته. وفي مشوارها مع الحياة كانت تكتب المقالات وتترجم الكتب وتسافر وصوتها يغرد دونما كلل أو يأس باسم فلسطين و أينما حلّت، وفي عام 2000 نشرت روايتها الطويلة "عائد من بعيد" وهي رواية عاطفية اجتماعية فيها من مشاهد الحزن والمعاناة الشخصية لبطلتها سلمى صورعن معاناة المرأة العربية تعيشها في كل مكان من هذا االوطن ولكنها صورٍ للمرأة المستكينة إلا من الصبر والحرمان والوجع صورة لسيدة لا ينقذها من جحيمها إلا القدر. وفي عام 2005 تنشر مجموعتها القصصية "أريد أن أموت في فلسطين " المليئة بالمصادفات الغريبة والتي تحكي حوادث لقاء وفراق من وحي قصص فلسطين و حكايا ناسها .
أخيراً هدى حنا فلسطينية ذابت في حب أرضها ولأنها تحلم بالعودة صمدت وصارعت الزمن واحتضنت ذاكرتها معها لتتكلم عن رحيق الأرض وسمائها ولتتحدث عن سنابل القمح وتماوجها ولتكون جسراً لا يصدأ يتحدى الرعب والدمار الذي شاهدته على أيدي محتل لم يتعب لا من القتل ولامن التشريد والأسر بل واصل ويواصل أعماله وببرود وقح، ولأنها فلسطينية وبلا تردد فانها لا تعترف بالسلام مع هذا العدو بل إنها تصرخ وتطالب بأن" تمزق كل الرايات البيضاء وليفنى اللون الأبيض من الوجود مادامت فلسطيننا سليبة" وتطلق هدى أيضاً أمنيتها الناعمة " بألا ليت السماء تقترب مني قليلاً وأنا أقترب منها قليلاً حتى تطالها يدي لأمسح عن وجهها ذاك الغموض علّي أرى وراءها كوناً آخر غير هذا العالم يكون أكثر عدلاً وأكثر صدقاً وأكثر حباً للحق " هذا هو صوت هدى حنا صوت لفلسطين يغني وعن فلسطين يحكي.
إصدارات للكاتبة هدى حنا
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر