الفنانة التشكيلية الفلسطينية "حنان يوسف" تجمع مكونات الشعب الفلسطيني المادية والإنسانية في قيمه الروحية والجمالية،وفق طريتها في التعبير والتوصيل، ومنحازة لذاكرة وطن وأناس عاشوا ومازالوا متوهجين في مساحة الأمل المتبقي للفلسطيني في جمع شمله فوق ترابه الوطني ، تزخرفها عِبر نصوص فنية تشكيلية حافلة بالاتجاهات التعبيرية بالفن، يجد المتلقي فيها بعضاً من خصوصية تأليف ومساحة موهبة وابتكار.
مدارات الأمل
هي من مواليد قرية عيلبون في منطقة جليل فلسطين الأعلى، عشقت الرسم والغناء منذ طفولتها المبكرة، درست المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في مدارس قريتها وحصولها على الثانوية العامة من" كلية الجليل المسيحية " بقريتها. مكنها من متابعة دراسة الفن في المعاهد الفنية في مدينة خاركوف الأوكرانية لمدة ثلاثة أعوام، ثم انتقلت إلى مدينة موسكو للدراسة في كلية الفنون الجميلة ما بين 1984- 1989 منهية دراستها لفنون الحفر والملصق حاصلة على شهادة ماجستير. عملت بعد عودتها لفلسطين لمدة عام في مؤسسة "براعم السلام " في مدينة تل أبيب ، ثم تفرغت لمزاولة الفن وإنتاج اللوحة الفنية، أقامت مجموعة من المعارض الفردية والجماعية داخل فلسطين وخارجها، وتُجيد فنون الرسم والتصوير الحفر بتقنياتها المتنوعة.
نظرة متفائلة
اللافت في تجاربها الفنية التشكيلية انحيازها الواضح لعالم الأنوثة، من خلال رسمها مجموعة كبيرة من الشخوص النسائية العاكسة لحقيقة مواطنة منتمية للتراب الوطني الفلسطيني، وجوه وملامح فلسطينية في تقاسيمها وتفاصيلها الحركية المعمرة بمساحات الأمل والبحث عن هوية جامعة للغائبين داخل أسوار الوطن الفلسطيني (الحزام الأخضر) وخارجه، تصوغها في لمسات تعبيرية واضحة عِبر غنائية اللون الأزرق المعبر عن تدفق الحياة في كتل لونية معبرة عن ثلاثة أجيال، تجمع فيها جماليات الطبيعة ومشاعر الإنسان.
أمومة وعائلة
أجيال فلسطينية ترسم معالم القضية الفلسطينية في رمزية مشهودة الأثر والخلفيات التي تقف وراء كل لوحة من لوحاتها، تكشف حقيقة الواقع الفلسطيني المحمول بالأمل وانتظار الفرج وعودة الغائبين اللذين طال انتظارهم، وجوه تعبيرية مفتوحة على واحة الحزن الفلسطيني المقيم المرتسم في جميع تفاصيل النصوص، يلعب الأزرق والأخضر دوراً مميزاً في خلق حالة الهدوء والسكينة وإضفاء مزيد من لمساتالحزن الفلسطيني.
مشهد من بلدي
شخوص ثلاثة تُحبذها الفنانة في رسم جوهر موضوعها وتقديم فكرتها وعكس واقعها ومعاناتها كمواطنة فلسطينية موجوعة بالنكبة كسائر أبناء الشعب العربي الفلسطيني المقبلين على الحياة والعيش بطمأنينة وسلام داخل أوطانهم، وما تجليات النظرة المرتسمة فوق محيا الأم وأطفالها في اللوحة إلا دلالة رمزية واضحة على حقيقة المشاعر المختلجة في حدقات العيون والشفاه، تتم معالمها الخلفيات الملونة لطبيعة متناسلة من الجغرافية الفلسطينية.
المناظر الخلوية للطبيعة الفلسطينية الريفية في سهولها وجبالها وحقولها، حاضرة بقوة في لوحاته سواء أكانت مشاهد مستقلة بذاتها أو متممة في سياق خلفيات لشخوص ووجوه وملامح إنسانية، تترك مساحة وارفة الظلال لحديقة منزل هنا وبستان هناك، موشاة بملونات الربيع الفلسطيني الجامع لدورة الألوان الأساسية ( الأحمر، الأصفر، الأزرق) في تدريجاتها الاشتقاقية الموزعة ما بين ملونات البيعة الزاهية بشمس العرب الساطعة.
حصار
مدينة القدس في لوحاتها هي المقابل الموضوعي لحيز الجغرافية الفلسطينية بجميع أطيافها الشعبية والاجتماعية، وعامل مميز لحالة الإخاء والانتماء لوطن فلسطيني مفتوح على حرية الإنسان ومنابته الطبقية ومعتقداته دون تمايز، في ظلال مخيلتها الحالمة تعيش الفنانة في أحضان مدينة القدس طفلة وراشدة، ترقص على أنغام التعايش الفلسطيني الجامعة لجميع الطوائف الفلسطينية والملل، تضع رمزية لافتة لشخصها في أكثر من لوحة ومساحة تعبير، تارة في الحقل، وأخرى في سياق القرية ونسوة الحي، وثالثة خلف أسوار الحصار المفروض خلف جدران حديقة أو معتل أو سواه، يرافقها الحزن المرتسم على الوجوه، قائمة على الاختزال والتلخيص واعتماد الاتساع المساحي لحركة الريشة المتدفقة فوق السطوح.
لوحتها "طفولة راقصة" هي تعبير مكشوف عن حقيقة مشاعرها ومساحة أحلامها الممتدة عِبر تجليات الوطن الفلسطيني، تُخرج المكنون في نفسها في صيغة جموح تعبيري لمُخيلة تحمل العديد من الأحلام والأماني، تجمع ما بين الوطن والمدينة والقرية الفلسطينية في بيوتها الهندسية المعلبة وشخص الفتاة الحالمة التي تسبح في فضاء لعبتها المفضلة فوق تجليات الصورة، تقصدت الفنانة قسم اللوحة إلى ثلاثة أبعاد منظورة موزعة ما بين المفردة والعنصر التشكيلي الرئيس" الفتاة" والبيوت المرصوفة في النصف الأدنى من الخلفية، يقابله مسحة اللون الأزرق المعبر عن حيز السماء في الأفق البعيد. كنوع من الموازنة والتوازن في الشكل واللون ومدلول المعنى الرمزي المتخفي في ثنايا اللوحة.
طفولة راقصة
بينما نرى في لوحتها" قهوة الصباح" تجليات الفنانة التعبيرية في مساحة التراث الشعبي الفلسطيني ونقل صورة العادات والتقاليد المتعبة في حياة الفلسطينيين من أقصى الوطن الفلسطيني إلى أقصاه، من حالات "اللمة" والجلسات الجامعة في المناسبات العادية والطارئة، واللوحة نموذج تعبيري فريد تربط فيه ما بين قيم الشعب العربي الفلسطيني الروحية والوجودية، ومكانة القدس كمدينة مقدسة من خلال عمائر المدينة الإسلامية والمسيحية وفي مقدمها مسجد قبة الصخرة المشرفة وما يُحيطها من معالم دينية. البنية الهندسية التي اتبعتها الفنانة في وصف لوحتها مبنية على جمع الكتل الشكلية في بنية لونية واحدة ومُتجانسة القيم حدة وتفاوت نسبي ما بين لون وآخر، تجمع مفرداتها التشكيلية وعناصرها في إيقاعات شكلية متوالية ورتيبة، بدءاً من بساط الجودلة، والفواكه وفناجين القهوة ، مروراً بالفتيات الثلاث في دثارهم وأزيائهم الشعبية الفلسطينية، إلى مقامات القدس الشريف وتفاصيله الواضحة وحدود الخلفية لجدار لوني يلخص مكونات المشهد في صيغته التقنية.
قهوة الصباح
أما لوحتها " ما تبقى لكم" هي تعبير صريح عن حقيقة التفاعل الفلسطيني ما بين الشعب العربي الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة وخارجها، وأن المصاب واحد ، والعدو واحد في جميع الأحوال، عدو يعيش على القتلوتدمير البيوت الآمنة فوق رؤوس أصحابها، وهي سياسة جوهرية تُظهر حقيقته العنصرية والوحشية، نرى من خلالها مشاهد للبيوت الفلسطينية بفعل العدوان الصهيوني ،الذي لم يبق للفلسطينيين أية فسحة لهدوء وسكينة، ويصبح العراء بيتاً وملاذاً. اعتمد الفنانة في رسم البيوت المدمرة على اللون الرماديالمتدرج لما فيه من برودة ورمزية مدلول ومعنىوالأزرق الداكن بكل ما فيه من حزن فلسطيني مُقيم، والشخوص في أثواب حافلة بالكآبة وتعبيرات الألم، صورة بصرية واقعية وصادقة عن معاناة الشعب العربي الفلسطيني عِبر عقد من العدوان.
ما تبقى لكم
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر