أقر البرلمان السوداني قانونا كان مثار خلاف منذ فترة لاجراء استفتاء على استقلال الجنوب لينزع بذلك فتيل ازمة سياسية بعد أشهر من النزاع بين الشركاء في الائتلاف الحاكم، بعد أن كانا قد خاضا حربا أهلية لأكثر من عقدين راح ضحيتها نحو مليوني نسمة. ومعروف ان قوى غربية وإسرائيلية قد حاولت تفكيك السودان، ومعاقبته بمختلف أنواع الحصارات، لكن ها هو السودان ينجح في لملمة جراحه وتلجأ قواه المتناحرة للتفاهم على تقنين الخلافات.
وبينما قرر الاكراد، بعد خلافات عميقة وقتال مرير، التفاهم والتعايش مع خلافاتهم السياسية، وكذلك الحال حين فاجأ فرقاء لبنان الألداء الجميع بتبادل القبلات.. تكثر الأسئلة ويطول شريطها لحركتي فتح وحماس. هذا ولن تكون عند كل الحريصين قناعة بامكانية الإجابات الشافية بخصوص أسباب إصرار الطرفين، عمليا، على التمترس في زاوية من زوايا بقايا الوطن، معتقدا، كلاهما، أن زاويته، فحسب، هي الوطن. فبعد وقوع الانقسام والانشطار، تمسكت حماس بالسلطة في القطاع معتبرة نفسها الحكومة "الشرعية"، فيما شكلت في الضفة حكومة انتقالية اعتبرت نفسها صاحبة "الشرعية". وبين "شرعية" هذه وتلك، ضاعت الأولويات الفلسطينية العاجلة: التصالح وتوحيد الوطن الواحد، إعادة إعمار ما دمره العدوان الإسرائيلي على غزة، وفتح معابر القطاع.
في ظل هكذا حال يكاد الوضع الفلسطيني يقترب من انفجار ربما يراه البعض مخرجا من مأزق الحصار السياسي الذي يضيق على حكومة رام الله التي تسعى قوات الاحتلال الإسرائيلي جاهدة لجعلها وكيلا لها في الضفة، ومخرجا للحكومة المقالة من مأزق الحصار الذي يهدد الجدار الفولاذي (الذي يبنى تحت الأرض على الحدود المصرية المشتركة مع القطاع) بتحويله إلى حصار محكم لا ثغرات فيه تحت الأرض أو فوقها. بل ان بناء الجدار الفولاذي زاد من زخم الحملات الاعلامية المضادة بين بعض قياديي فتح وحماس.
ورغم أن الفصيلين الفلسطينيين الكبيرين حركتان تريدان لوطنهما أن يتحرر من الاحتلال، لكن السبل تفرقت بهما في اختيار وسائل هذا التحرير. غير أن الأمر لم يتوقف عند حد الاختلاف في الرؤى والتوجهات وتقييم الواقع وطرق التعامل معه، وإنما تحول إلى اقتتال سالت فيه دماء كان من المفترض أن تسيل من أجل الوطن والأرض والشعب. صحيح أن الحركتين تقدمان برنامجين مختلفين، لكن الخلاف بينهما هو في حقيقته تعبير عن عملية إدارة كل منهما لبرنامجه ضمن الظروف المتاحة وما يراه مناسبا. وفي خضم الاتهامات المتبادلة بين سلطتي فتح وحماس، تذهب دماء الشهداء وآلام ذويهم أدراج الرياح في ظل غياب قيادة فلسطينية موحدة، ذات برنامج سياسي واحد يشكل الحد الأدنى المتفق عليه فلسطينيا.
لقد خسر الشعب الفلسطيني (والقضية) جزءاً من صورتيهما البهيتين أمام العرب والمسلمين والعالم أجمع، لكن الصور تبقى ظرفية وسرعان ما تتغير أمام ما يعقبها من أحداث. ولأسفي، يبدو ان خطر انهيار "بنيان الحقوق" ليس كافيا لدفع قيادات فتح وحماس إلى وحدتهم الوطنية - ملاذهم الوحيد للخروج من المأزق، وللتصدي لأي مواجهة مع الاحتلال المصمم بممارساته اليومية على تثبيت بل تهبيط الوضع الفلسطيني الراهن. وفي مواجهة الخطر المحدق، يبدو المشهد الفلسطيني عبثيا. وعليه، مطلوب من القوى الوحدوية ادراك أن عليهم اخراج الحالة الفلسطينية الراهنة من النفق الانقسامي الذي يمثل صفحة سوداء من تاريخ الشعب الفلسطيني، والعمل على استعادة الوحدة الوطنية الشاملة والاتفاق على خطة وطنية متكاملة لمواجهة المخاطر والتحديات التي يواجهها شعبنا الفلسطيني، فبالوحدة فقط يمكن الرد على جرائم الاحتلال التي يجب أن تكون عامل وحدة.
نعلم أن هناك قوى إقليمية ودولية، ولمصالح خاصة بها، لا تريد للحوار الفلسطيني أن ينجح. ولكن الطامة الكبرى تكمن في تلك النتوءات الفلسطينية الداخلية الشاذة، سواء في الضفة أو القطاع، التي لا تريد للحوار أن ينجح وتسعى لترسيخ الانقسام الفلسطيني لدوافع أيديولوجية و/ أو مصلحية. فوفقا لتقارير ومقالات متكاثرة، ثمة في أوساط السلطة أفراد (لكنهم مؤثرين) يصرون في ممارساتهم العملية ضد كوادر وأعضاء حماس على رفض الحوار مع الآخر إلا وفق رؤياهم، لكنهم - في المقابل - يصرون على استمرار المفاوضات التي يقال لنا أنها عبثية أو أقلها المتعثرة مع إسرائيل، بل تراهم متحمسين لها. كذلك، تؤكد المصادر ذاتها ان في حماس قيادات (لكنها مؤثرة) لها مصالحها المستجدة أو تعتقد أن الحركة وحدها تمثل الشرعية الفلسطينية ومن حقها أن تقيم هدنة مع الاحتلال لكنها، في نفس الوقت، لا تقيم "هدنة" مع الفتحاويين إذ هي تستمر في اعتقال عدد من قيادات وأعضاء ومناصري فتح في القطاع.
لذا، على القوى الوحدوية في فتح وحماس (وبالذات مع تزايد الحديث عن قمة تجمع الرئيس الفلسطيني مع رئيس حماس) استلام زمام أمور نزاعهما القائم – موضوعيا - على "وهم". فأي حكم، وأي سلطة هذه التي يتنازعان عليها؟! ولن يفيد الحركتين التعنت وتمسك كل طرف بتحليلاته ومواقفه، وهما بحاجة إلى إعادة نظر وتأمل في مواقفهما وسياساتهما قبل "خراب مالطا"، فالحرب الاعلامية وتبادل الاتهامات العبثية والاعتقالات، بل وأعمال القتل، تبعث على اليأس، وتبعد الجماهير عن الطرفين، وتحبط همم الشعب. وتحويل الصراع في فلسطين إلى صراع ثنائي داخلي هدف إسرائيلي بالمرتبة الأساس، وقد تأكد للمرة المليون أن الاحتلال لا يعطي شيئا، لذا فعلى الطرفين العودة إلى حوار العقل، والتمسك بالمصلحة العامة، ونبذ التخالف.
فالشعب الفلسطيني بحاجة إلى الوحدة والتعبئة ونبذ عناصر ضعفه والتمسك بقضيته أمام العالم. وها نحن نعود ونؤكد، أن طريق فتح وحماس، الوحيد والسالك، هو الوحدة، أو أقلها تقنين الخلافات. والآن، يبقى السؤال المركزي: هل السودانيون، وكذلك الأكراد واللبنانيون وغيرهم، أكثر وعيا وحرصا على أوطانهم من الفلسطينيين؟!! أم أن "وهم الشرعية" و"السلطة" سيستمر حتى نخسر كل شيء؟!!!
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر