الفنان محمد إبراهيم الضابوس

الفنان التشكيلي الفلسطيني ( محمد إبراهيم الضابوس) من مواليد مخيم جباليا بمدينة غزة عام 1978، مواهبه الفنية وَجدت حاضنة لها في قطاع غزة، وأهَّلته لمتابعة مجموعة من الدورات الفنية في الرسم والتصوير والخط العربي ما بين أعوام 1994- 1995، ثم سنحت له الفرصة بالإيفاد للدراسة الجامعية في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان بالقاهرة، والتخرج في قسم الرسم والتصوير بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف عام 2002، عمل بعد تخرجه في مواقع وظيفية متعددة، أهمها أستاذ مُحاضر في كلية مجتمع العلوم المهنية والتطبيقية، وكلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصى بمدينة غزة، ومُشارك في العديد من المعارض الجماعية داخل فلسطين وخارجها.

بورتريه أكاديمي

موطن الدراسة الأكاديمية في القاهرة منحه مزيداً من الخبرة المهنية، والتمكن الفني الأكاديمي والتقني، والمقدرة على مسك ناصية النص البصري، وفق اتجاهات فنية تعبيرية وأساليب معالجات تقنية محددة الخصائص والسمات، ولا تخلو لوحاته التصويرية الملونة وخطوطه ورسومه من نكهة تعبيرية مصرية لافتة، فيها ما فيها من مشاعر المشابهة الوصفية لكثير من عناصرها، ومفرداتها الشكلية مُضمَّنة في محتوى لوحاته الوصفي، وما يتخللها من مشاعر المودة والوفاء والامتنان ورمزية التواصل مع مُدرسيه الأكاديميين في جامعة حلوان المصرية.

بورترية أكاديمي

لوحاته تُقسم إلى ثلاثة مسارب تقنية، متناسلة من جَعبة المدارس والاتجاهات الواقعية، والواقعية التعبيرية، والتعبيرية التجريدية. يسود فيها النمط التجريبي الذي يُفصح بشكل أو بآخر عن خصوصية الفنان وطريقته في اختيار مفردات جمله التشكيلية، وعناصر مكوناته المرصوفة داخل بنية كل لوحة من لوحاته. وموزَّعة بطبيعة الحال ما بين الشخوص الأحادية في سياق بورتريه نصفي أو كامل، والشخوص الثنائية المتلاصقة أو المتقابلة، والشخوص الموزَّعة في مجموعات متجاورة، وأخرى في كتل جمعيّة متوازنة في الخط واللون والمحتوى الموضوعي.

طبيعة صامتة

وأُخرى مُنحازة لفتنة الاتجاهات التجريبية المُعاصرة التي تلوذ بالحداثة التعبيرية، وجهاً جمالياً لطقوسها الشكلية، والمحافظة على واقعيتها وتجريديتها في آن معاً، مشغولة وفق أنماط سردية غنية الملامح الإيقاعية، المتوالدة من هندسية السطوح والمعالم والتفاصيل. تجريدية التأليف الشكلي والقائمة على تحوير الأحجام والسطوح المنظورة والافتراضية في الواقع، وتجريدها من واقعيتها لمصلحة المسطحات الهندسية، المتوالدة من أشكال المستطيل والدائرة والقطع المقعر والمُحدب والموشور، تتوحد في وحدة شكلية عضوية من ذات بعدين كمحددات واضحة لماهية تشكيلها المسطح، عِبر تكوينات منسوبة للطبيعة الصامتة، متداخلة الخطوط والملونات والتي تحمل في أحشائها الشكلية هذا التناغم البصري الهندسي، كأسرة تشكيلية مؤتلفة في لحمة تعبيرية واحدة الشكل والمضمون.

تجريد لمناظر خلوية

ونرى في لوحاته التصويرية فسحة واسعة لتجليات الاتجاهات التجريدية التامة، التي تهدم الفكرة والبنية الشكلية الواقعية لمصلحة الشكل وغمار التقنية، تجريدية فاقعة سابحة في أتون التجربة والتحليق المُعمق في واحات الحداثة التعبيرية، والقائمة على فلسفة الهدم الشكلي للموضوع ومَحوٌ مقصود للعناصر التشخيصية الواقعية، انحيازاً لرقص الملونات فوق السطوح الشكلية الممتدة والمتآكلة، والمُعبرة عن مناظر خلوية لبيوت ومنازل وما تبقى من ذاكرة وأماكن، تُدوِّن مقامات الرغبة والانفعال الداخلي للفنان المعزوفةِ على أنغام شهوة الرسم، والتلوين المتداعي على جسد السطوح المحملة بمساحات خالية من التشخيص.

تحت الاحتلال

يتجلي في مجموع تكويناته، وتفاصيل عمارته المسطحة المنثورة عِبر نصوصه، ولوحاته ومواضع سرده البصري المقصود ملامح قوته، كفنان يعرف حدود موهبته وقدراته على التأليف والوصف والتوصيل. ومُحددات طبيعة المحتوى الوجودي الذي نهل منه تجلياته التعبيرية، والتي تُشير بوضوح بصري إلى سمات هويته الفنية وأسلوبه التقني. والمُعبرة عن حيز الجغرافية البصرية ورمزية المكونات التي ينتمي إليها، لاسيما مواضيع الشخوص (البورتريه) والطبيعة الصامتة، والتراثية التي تحمل في طياتها روحية التفاعل مع ذاكرة المكان الفلسطينية، وطقوسها الاجتماعية المفتوحة على النكبة والانتفاضة ومسيرة الشهداء.

شهيد على الطريق

ألوانه وخطوطه لا تُغادر مخدعها التقني، مسافرة عَبر ملونات الدائرة اللونية الأساسية ( الأحمر، الأصفر، الأزرق، الأسود، والأبيض) في تدريجاتها الاشتقاقية متعددة الخصائص والتجليات. نجد للأخضر والترابي والبنفسجي والرمادي حظوة في العديد من مكوناته، ترسم حدود الذائقة البصرية، والسليقة الوصفية لمضامين لوحاته. ترنو من جادة الألوان الباردة حيناً والحارة حيناً آخر، تجمع أشتات التناغم الشكلي في داخل نسيجها الوصفي. تُدخِل المتلقي إلى بنية تشكيلية عامرة بالهدوء والسكينة، والراحة البصرية الخالية من التشنج والانفعال اللحظي.

ما تبقى لكم

لوحته التصويرية (ما تبقى لكم)، تُدخلنا في رمزية المعاناة، وتفتح كوة واسعة بمجرّة الوجع الفلسطيني المُقيم، والمستوطن في خلجات النفوس والمُخيلة، وسابحة في تداعيات الوصف والتعبير المُشبع بمجاز الوصف، الموصول بمخلفات العدوان الصهيوني المتكرر على أبناء شعبنا الفلسطيني وممتلكاته، نطوف في مقامات الحزن الفلسطيني المتواصل، الذي يُداعب مسيرة الآلام المكللة بيوميات التشرد والنزوح، والوقوف على أطلال دمار بيوتنا وخيراتنا وأحلامنا المفتوحة على الألم، والمصير المجهول في تيه الجماجم المرصوفة داخل متن التكوين. شخوصه الموضوعة في ثنايا اللوحة تُمثل إحالة رمزية لواقع حال العائلات الفلسطينية، الغارقة في بؤسها مستوفية جميع شروط المأساة الشكلية والمعبَّر عنا في جلستهم وملامح وجوههم، وانسياب رمزية النيران المتأججة في الخلفيات الملوَّنة المشهودة في عُمق اللوحة، وما يحيط بهم من دمار وجماجم واضحة القسمات في ملامح شخوصه المرصوفة في مقدمة أسفل اللوحة.

عرس الشهيد

أما لوحته (عرس الشهيد) فهي أكثر بلاغة سردية وصياغة تقنية ومحتوى موضوعي من بين سائر لوحاته، تُقدم الصورة الحسيّة المألوفة في حياة الشعب الفلسطيني، والتي تُشَكِّل في تفاصيلها القاسم المشترك البصري الأعظم ما بين الفنانين التشكيليين الفلسطينيين من جهة، والحالة الاجتماعية والوطنية المشهودة في جميع الأسر الفلسطينية التي فقدت واحداً أو أكثر من أبنائها ضحايا وشهداء على طريق الأحزان الفلسطينية. فالشهيد يتوسط مقامه البصري، ويُحدد تجليات البؤرة البصرية المقصودة، باعتبارها المجال الحيوي لتأليف مدارات الوحدة العضوية، تجمع عناصر مكوناته وشخوصه في نمطية متناغمة، توحد المسارات التقنية يمنة ويسرة. شهيد ملفوف بعلم فلسطين وفتية وشباب يحملون النعش في مشيتهم الرتيبة، ومجموعة النسوة الفلسطينيات اللواتي يزغردن في عرس الشهادة في ملابسهم التراثية بالجانب الأيمن في اللوحة، يُقابلها أسرة الشهيد في ملامح الحزن البادي في الوقفة والجلسة على الجانب الأيسر من اللوحة. مؤلفة ثلاثية القيم الشكلية والتقنية وفق المعاني الصوريّة للعلاقات الوصفية الحافلة بدروب المعاناة، وواقعية الحالة وتعبيريتها الحاضنة لمكونات مناسبة وطبيعة الموقف البصري والبنية التشكيلية.