لقد جاء اغتيال 'محمود المبحوح' بدبي، في العشرين من شهر كانون الثاني/يناير الماضي، ليؤكّد حقيقة ثابتة لكنّها غائبة عن أذهان الذين يؤمنون بالصّدفة، ويدفعون مراكب سياستهم حسب ما تشتهي الرياح، وهي أنّ 'إسرائيل' قادرة على أن تضرب في كلّ مكان، وفي أيّ دولة عربيّة، مهما استعدّت لعدوانها وتحصّنت. وبات أكيدا أنّها تملك عملاء، على الأرض، يسهّلون عمليّات الاغتيال التي تنفّذها بدقّة وحرفيّة. وهي تختار طريقة التنفيذ، بمعزل عن الظروف الدوليّة، والإكراهات التكتيكيّة التي تفرض أحيانا على هذه الدولة العبريّة أن تُوقف مسلسل الاغتيالات وفق الأجندات التي وضعتها آلة الدولة العسكريّة وتحرص الحكومات المتعاقبة - يمينا ويسارا- على تنفيذها والبحث عن مبرّرات الجريمة ومسوّغاتها، كي تُسوّق للحلفاء وأصدقاء إسرائيل، على أنّه ردّ فعل، ودفاع عن كيانها المهدّد. الحقيقة المرّة، إذن، هي أنّ 'إسرائيل' تحدّد هدفها بدقّة، وتختار الوقت المناسب للانقضاض على الموعود بالموت. ويؤكّد تاريخ الاغتيالات أنّ الدولة العبريّة لا تفرّق، في تنفيذ مخطّطها،بين الدول المعتدلة، والدول المستنفرة لقتالها. فقد اغتالت، في قلب دمشق، وفي مصر، وفي بغداد، وفي لبنان،وفي الخرطوم، وفي الأردن، وفي العواصم الأوروبيّة. لكن 'إسرائيل' لا تكتفي بالانتقام ممن تعتبرهم أعداءها بل تريد تصعيد الأزمة، ونقلها إلى أرض العدوّ. وذلك عبر تسريبات صحافيّة تلمّح إلى تواطؤ دول عربيّة معها في تنفيذ عملياتها القذرة . وهي تدرك أنّها، بهذا التلميح المقصود، تفجّر قنبلة يكون وقعها أشدّ من عمليّة الاغتيال في حدّ ذاتها لأنّ 'إسرائيل' باتت على يقين بأن العرب أصيبوا 'بالزهايمر' السّياسي الذي جعلهم يفقدون ذاكرتهم البعيدة والقريبة ،وهي مقتنعة، أكثر من أيّ وقت مضى،بأنّهم 'ظاهرة صوتيّة' لا يتقنون إلّا تبادل الاتهامات، وتوزيع تهم الخيانة على بعضهم البعض،في عمليّة جلد ذات غريبة. وضمن مسلسل استدراج الخصم إلى نسيان الجريمة، والانغماس في مستنقع الاتهامات والاتهامات المضادّة، نشرت صحيفة 'هآريتس' الإسرائيليّة، يوم الثلاثاء 2 شباط/فبراير، تفاصيل عن عمليّة الاغتيال زعمت أنّها حصلت عليها من وثيقة سرّيّة أعدّتها 'حماس''! وتفيد المعلومات التي أوردتها الصّحيفة أنّ 'محمود المبحوح' هو المسؤول عن تهريب الأسلحة إلى غزّة، وهو الحلقة الرابطة بين 'منظّمة حماس' وإيران. وأشارت إلى أنّ الرجل مُطارد، إلى جانب إسرائيل، من المخابرات الأردنيّة والمصريّة. ولتأكيد هذا الأمر أشارت إلى أنّ مصر قد اعتقلته سنة 2003، وأودعته السجن سنة كاملة. وهذه الرواية غير المؤكّدة تزيد اللغز غموضا، وتدفع بخبث نحو إبعاد التهمة عن إسرائيل وإلقائها على مصر. والحقيقة أنّ مثل هذه التلميحات ليست غريبة على الدولة العبريّة. وهي تنخرط في سياسة إسرائيليّة مكشوفة لاستغلال كلّ سوء تفاهم بين طرفين للالتفاف عليه، وتوظيفه لخدمة مشاريعها الانتقاميّة. وإذا كان الخلاف بين 'حماس' ومصر لم يعد خافيا بل لعلّه ازداد توتّرا بعد بناء الحاجز الأسمنتي، فإنّ ذلك لا يمكن أن يؤدّي إلى تفكير مصر في اغتيال ناشط من نشطاء حماس. ولم يثبت تاريخيا أنّ مصر تجاوزت الآداب الدبلوماسية، وانتقمت من أعدائها على أرض عربية تجمعها بقيادتها علاقة وثيقة،والأمر نفسه ينطبق على 'الأردن' التي لا يمكن أن تضحّي بعلاقتها مع 'الإمارة'. وإذا ما تركنا عامل الأعراف الدبلوماسيّة التي تحرص مصر والأردن على احترامها، فإنّ 'محمود المبحوح' لا يشكّل خطرا على أمن الدولتين كي تتعاملا معه بالتصفية والاغتيال. وما يؤكّد أنّ الوصول إلى هذه النتائج البديهيّة لا يحتاج إلى كثير من الذكاء عند من خبر حيل هذا الكيان وخبثه، مسارعة منظّمة حماس على لسان غير واحد من قادتها بنفي تورّط أي بلد عربيّ في الاغتيال. وكان يراد من هذه الحيلة المكشوفة التشويش على المصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين، وصبّ الزيت على النار ليتواصل الخلاف وتتداخل الأسباب بتحوّل مصر إلى طرف 'غير محايد'. كما أشارت الصحيفة، في خبث،إلى البذخ الذي يعيشه أفراد 'حماس' بأن كشفت أنّ النزل الذي وقع فيه الاغتيال هو من فئة 'خمس نجوم' ما يشي بالنعمة التي ترفل فيها المنظّمة ونشطائها. وفي هذا التلميح ما يعيد مشكلة 'تمويل' المنظّمة إلى واجهة الخلافات الفلسطينيّة. ويمكن أن تستخلص من عمليّة الاغتيال عدّة حقائق تدعمها الوقائع لكنّ الواهمين والمنتصرين للعناد يحجبونها تحت شعارات مختلفة لم تعد تنطلي على أحد: -الأرض العربيّة أرض مكشوفة عند الإسرائيليين يتحرّكون فيها كما يحلو لهم، وسيان في ذلك دول الاعتدال أو دول الممانعة. وهي تملك القدرة على الضرب في كلّ مكان. فهل أنّ بقاء البعض أحياء هبة إسرائيليّة؟وهل أنّ الذين لم يتعرّضوا للاغتيال كانوا في كلّ مرّة ينجحون في الفرار أم أنّ إسرائيل تريد أن تبقي على حياتهم. -سياسة إسرائيل قائمة على مخطّطات وبرامج استشرافيّة تخضع للآلة العسكريّة المتسلّطة والمتحكّمة في الحكومات المتعاقبة على اختلاف توجّهاتها وأحزابها - بين إسرائيل والعرب سنوات ضوئيّة لا يمكن تقليص فجواتها بالخطب والصراخ والبكاء أمام الشاشات بل بمشاريع اقتصاديّة واضحة، وبتوظيف علميّ للثروات وجعلها في خدمة الإنماء. -إسرائيل ربحت المعركة على الأرض وفازت بها إعلاميّا. فهي قادرة على اقتحام الرأي العام الدوليّ مجنّدة كل الطرق والوسائل. -سياسة التخوين وتبادل التهم التي تُبدع فيها الدول العربيّة،صناعة إسرائيليّة عرفت كيف تسوّقها في البلاد العربيّة ونجحت في ضمان تداولها بين الأجيال. -إسرائيل توظّف عملاء على الأرض من 'حماس'، و 'فتح'، وكلّ الفصائل الفلسطينيّة بلا استثناء من خلالهم تزرع الشكّ، وتضرب وحدة الصفّ. فهل يصدّق عاقل أنّ 'إسرائيل' تُقدم على اغتيال 'الشيخ ياسين' دون أن يكون واحد من المحيطين به، أو القادرين على الاقتراب منه،قد سهّل العمليّة. -إسرائيل على قناعة بأنّ العرب ظاهرة صوتيّة لذلك ما فتئت تستنبط لهم المواضيع 'الطازجة' ليتسلوا من خلالها بجلد الذات، وليسترسلوا في مناقشات خلافيّة. |
العرب عند 'إسرائيل' ظاهرة صوتيّة \محمد صالح مجيّد
يزن المصري- مشرف مجلة اجراس العودة الثقافية مكتبة اجراس العودة الثقافية
- جنسيتك : اردنية
اعلام الدول :
نقاط : 4341
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 09/07/2009
- مساهمة رقم 1
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر