3 مشترك

خربة الحمام.. صمود في وجه الأطماع الاستيطانية

لمى جبريل: المدير العام; جنسيتك : اردنية
اعلام الدول :
رقم العضوية : 2
نقاط : 27505
السٌّمعَة : 43
تاريخ التسجيل : 25/01/2009

مساهمة رقم 1

خربة الحمام.. صمود في وجه الأطماع الاستيطانية

من طرف لمى جبريل الأربعاء 19 مايو 2010, 9:46 am

'خمسون عاماً، ونحن على هذه الأرض، لن نغادرها مهما فعل المستوطنون بنا، ووصيتي لأبنائي هي أن أدفن تحت ترابها، كما ولدت فيها'. بهذه الكلمات عبر محمد الجالولي عن تمسكه بأرضه في خربة الحمام بمحافظة طولكرم وصموده عليها، رغم كل المحاولات الرامية إلى تهجيره منها من قبل المستوطنين، الذين يداهمون الخربة في أوقات متقاربة.

الجالولي مواطن فلسطيني، ذاق الأمرّين من الاحتلال الإسرائيلي، الذي يسعى لطرد الفلسطينيين من أرضهم، عبر إطلاقه مستوطنيه يعيثون خرابا وفسادا في أملاك لا حق لهم فيها.

يقطن الجالولي وعائلته خربة الحمام التي هجروا إليها عام 1948 من منطقة قيسارية، شاء القدر أن تقع قريتهم الصغيرة بين فكي مستوطنتي 'حرميش' من الشمال، و'دوتان' من الشرق المقامتين على أراضي قرى جنين وطولكرم، لتصبح الخربة صيداً ثميناً للمستوطنين، ينقضون عليها متى يشاؤون.

وتتعرض المنطقة، منذ سنوات طوال لاعتداءات متواصلة من المستوطنين، الذي يداهمونها بطريقة استفزازية، تارة يقتلعون أشتال الزيتون ويخربون المزروعات، وتارة يقذفون الحجارة على المنازل التي لا يزيد عددها عن ثمانية.

وبات عدم الإحساس بالأمن والطمأنينة الصفة الغالبة على المواطنين أثناء تواجدهم في بيوتهم أو تنقلاتهم على الطرق الصخرية وغير الصالحة لاستخدام المركبات، بأن يفاجئهم مستوطن أو مجموعة منهم مدججون بالسلاح وفي أي لحظة يمكن أن يبادروا بإطلاق النار على طفل أو امرأة أو مسنّ.

مراسلة 'وفا' زارت خربة الحمام، التي اشتكى أهلها من أن أيا من وسائل الإعلام لم تصل الخربة حتى إعداد هذا التقرير، للإطلاع على معاناة سكانها جراء اعتداءات المستوطنين عليها.

المسافة طويلة، والطريق وعرة محفوفة بالمخاطر، نقلني الجالولي من قرية النزلة الشرقية بمحافظة طولكرم، بسيارة قديمة يستخدمها لتنقلاته إلى القرى المجاورة، يحمل معه طلبة المدارس البالغ عددهم 22 طالباً يدرسون في القرى المجاورة، يتعرضون لمخاطر جسيمة نتيجة الطريق، حيث أن الجالولي مدرس لغة عربية في مدرسة قفين.

ورغم هذه المعاناة، إلا أن المنطقة تتمتع بجمال رباني لا مثيل له، فالجبال تحيطها من كافة الجوانب، تكسوها الأشجار الحرجية والزهور والأعشاب البرية الملونة وأشجار الزيتون، تتناثر حولها الآثار القديمة التي يشير إليها المؤرخون، وقال الجالولي إنها رومانية، ولأنها كذلك فهي أرض زراعية خصبة، يعتمد سكانها على الزراعة وتربية المواشي.

تحدث الجالولي وعلى وجهه ابتسامة حملت في طياتها معالم الصمود والتحدي، عن الصعاب التي يواجهها سكان الخربة جراء ما يتعرضون له من ممارسات استفزازية من قبل المستوطنين، فهو واحد من ثمانية أشقاء، الوحيد الذي درس في الجامعات الأردنية، أبى إلا أن يعود إلى قريته الصغيرة، ليعلم أبناءها التمسك بالأرض، ومواجهة التحديات مهما كبرت، لقناعته بأن الصمود هو الطريق نحو تحقيق أهداف شعبنا في الحرية وطرد الاحتلال.

وقال: اعتدنا على هذا المسلسل كل يوم وكل لحظة، ما جعل الأطفال يعيشون إحساس الخوف الدائم، ويتعذر عليهم ممارسة اللعب خارج محيط منازلهم كما باقي الأطفال في المناطق الأخرى، تخوفاً من مداهمات مفاجئة للمستوطنين قد يفقد من خلالها أحدهم حياته.

وأضاف أن مسلسل الاعتداءات بدأ في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت فرق المستوطنين تداهم المكان بالعشرات، انطلاقا من أراضي 1948، ويبدأ هؤلاء بأعمال الحفريات في الآبار القديمة، تستغرق عدة أشهر، إلى أن انقطعوا خلال انتفاضة 1987، لتعود اقتحاماتهم في فترات متباعدة بواسطة السيارات.

وأشار إلى أن هذه الأعمال كان يصاحبها اقتلاع الأشجار والمزروعات ومنع البناء والزراعة في المنطقة، حيث كان والده المتوفى منذ فترة، صامداً أمامهم رغم كبر سنه، وتعرض للاعتقال عدة مرات، وكان كلما اقتلعوا غرسة زيتون يعيد زراعة عشرة منها، غير آبه بتهديدات المستوطنين، وجنود الاحتلال الذين يساندونهم في كل مرة من خلال تواجدهم في أماكن غير بعيدة لمراقبة ما يحدث.

ولفت الجالولي إلى أنه ومنذ سنتين ترددت على الخربة مجموعة من مستوطني دوتان، ما دفعه إلى إبلاغ اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي حضر ممثلون عنها إلى المكان لاستيضاح الأمر، لكنه فوجئ باليوم الثاني من زيارة الصليب، بضابط ما يسمى الإدارة المدنية يزور الخربة ويخبر أهلها أن هؤلاء (المستوطنين) هم منقبون عن الآثار.

وأكد الجالولي أن القضية ليست كذلك، وإنما هي البحث عن أي جذر عربي في المنطقة من أجل اقتلاعه وإخفائه، لتصفى الساحة لهم، مشيراً إلى أن هدفهم الحقيقي هو إجبارنا على ترك المكان والرحيل عنه.

وأوضح أن مداهمات المستوطنين زادت في الآونة الأخيرة، حيث تضم فرق الخيالة والمشاة من جميع الأعمار، بمن فيهم الصغار وكبار السن، مهمتهم بث الفوضى والأذى والتخريب، مشيراً إلى أن مداهمة الخربة فترة الأعياد اليهودية لها طابع عنصري، حيث يقيمون الحلقات الدينية ويرددون الترانيم بصوت عال، ويطلقون الأعيرة النارية بشكل عشوائي، ويمنعون المواطنين من الخروج أو الدخول، في وسيلة لإخافة السكان، الذين يضطرون إلى الاحتماء في منازلهم المتواضعة خوفاً من اعتداء المستوطنين.

ومع إدراك الجالولي وعائلته (سكان الخربة) لخطورة التنقل على الطرق أو البقاء داخل منازلهم، إلا أنهم يحاولون التكيف مع هذه الأوضاع، وإدارة شؤون حياتهم اليومية غير آبهين بتهديدات المستوطنين، بل وزادتهم تمسكاً وثباتاً على أرضهم التي غرسوا فيها منذ خمسين عاماً.

توجه الجالولي إلى الوزارات المعنية كوزارة الزراعة والحكم المحلي ومحافظ طولكرم، الذين لبوا دعوته بزيارة المنطقة والاطلاع على المعاناة، وتدوين احتياجات القرية التي بحاجة إلى تعزيز صمود المواطنين على أرضهم المستهدفة، فتم حديثاً ربط البيوت بالكهرباء، وهم بانتظار مد خطوط المياه وتعبيد الطريق الذي سيخدم المنطقة بأكملها.