ثمانون عاماً من عمر الحاج أبو العبد وحنينه إلى مزرعته وقريته هربيا لم ينقطع ، ووثائقٌ تؤكد حقه في ملكيته لمزرعة وبيت في القرية ، هي كل ما تبقي للعم أبو العبد ، لم تشفع له أمام كل قوانين وشرائع الأرض بالعودة إلى تلك البقعة ، التي لا زالت شاخصة أمام عينيه تراقب موعد العودة القادم ، أبو العبد يضع رأسه على الوسادة وينتظر بزوغ فجر وصباح جديد يحمل الأمل بالعودة للقرية ، جلسنا هناك في المخيم الذي يعتبره اللاجئون المشتتون محطة الانتظار للعودة من جديد إلى كل قرية ومدينة هجروا منها قسراً .
هناك في مخيم جباليا تجاذبنا أطراف الحديث مع الحاج دعني أسميه " اللاجئ " أبو العبد " ، الذي يصر على ارتداء الحطة والعقال الفلسطيني ليؤكد بهما على فلسطينيته التي تحاول تغيرات العصر أن تستبدلهما باللباس الرسمي من البدلة وربطة العنق ، جلسنا على كراسي خشبية راكزين أظهرنا على جدار من جدران المخيم الذي عاش مع اللاجئين حلو الحياة ومرها ، سعادتهم وحزنهم ، آلامهم وأتراحهم ، يدان ترجفان تحمل كاسة شاي آيلة على السقوط من يد العم أبو العبد ، وحينما يأتي على مسامعه أول سؤال يذكره بقريته التي عاش فيها 18 عام قضاها إلى جانب والديه يزرع ويحصد محصول القمح ، تجد عيناه تحلقان بعيداً في عنان السماء.
أبو العبد يسرد قصة تهجيره هو وعائلته من القرية فيقول : " حاصرت العصابات الصهيونية قريتنا هربيا واخذوا بوضع الألغام في الطرقات, إلى أن هاجموا القرية ليلاً بالدبابات لأول مرة ، فبدأنا حينها بتكوين فرق من شباب القرية والقرى المجاورة ، حيث كنا نبيع مصاغ زوجاتنا من أجل شراء البنادق والرصاص إلى أن استطعنا التصدي لهم وإرجاعهم", متابعاً:" وبعد أسبوع واحد عاودوا الهجوم وبدأ حينها بعض أهالي القرية بمغادرتها جراء ما تعرضت له القرية من إطلاق للرصاص والقذائف على أمل أن تنجح الجيوش العربية في إرجاعهم في وقت لاحق!!!!!
واستطرد قائلاً :" خرج النساء والأطفال والشيوخ هاربين ليلاً إلى غزة للاحتماء من نار القذائف والرصاص الذي طال القرية " متابعاً:" لقد نجحت العصابات الصهيونية في بث دعايتها حول إعدام الفلسطينيين في مذبحة قرية دير ياسين قضاء يافا ومن ثم إخراج أهالي من قرى متعددة من فلسطين منها بيت دراس, الجورة, الجية, بربرة ، وبرير إلى أن تمت السيطرة الإسرائيلية عليها جمعياً " .
وتقطع انسجامنا لحديث العم أبو العبد تنهيدة قوية جذبت انتباهنا للحديث من جديد فيقول : " مع كل صباح ومع كل مساء أحلم بقريتي هربيا .. والى اليوم أحفظ معالمها من مزارع وكروم وبيوت وذلك المسجد الذي يتوسط قريتنا ", موضحاً أنه زارها بعد الهجرة عدة مرات ولم يجد من معالمها إلا الشئ القليل ، حيث أقيمت مستعمرة يهودية على أنقاضها ، ويتلفت على المكان الذي نجلس فيه في ذلك الزقاق الضيق من بين مئات الأزقة في المخيم يميناً وشمالاً في نظرة يسودها اللعنة على ذلك اليوم الذي دخل فيه لمخيم وتوشح بمصطلح لاجئ قائلاً :" نحن في وضع لا نحسد عليه, سلبت أرضنا ونعيش في أوقات صعبة ، وقادتنا وزعماؤنا ناسين القضية الفلسطينية التي تحمل هموم الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني الذين هجروا من أراضيهم رغماً عنهم " ، مختتما قوله : " حسبي الله ونعم الوكيل .
قرية "هربيا" هي إحدى القرى الفلسطينية المحتلة عام 48 ، يعود تسميتها إلى كلمة كنعانية بمعنى الكثرة والوفرة، وفي ذلك دلالة واضحة على عروبة القرية وسكانها ، تقع قرية هربيا إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة ، وتبعد عنها 14كم. وترتفع 25م عن سطح البحر ، وقد اشتهرت بموقعتها العظيمة سنة 642 هـ بين الصليبين وبين الخوارزمية وجيوش الصالح أيوب، وقد انهزم فيها الصليبيون، وسميت حطين الثانية.
تبلغ مساحة أراضيها 22312 دونماً. وتحيط بها أراضي قرى الجورة، والخصاص، وبربرة، وبيت جرجا، ودير سنيد، وبيت لاهيا، وقُدر عدد سكانها عام 1922 (1037) نسمة يعملون في الزراعة والصيد، وفي عام 1945 (2240) نسمة، يوجد بالقرية جامع ومدرسة أنشئت عام 1922، ومواقع أثرية منها خربة معرة، وخربة الرسم، وخربة الشرفا (أشرف)، وخربة حسونة.
وقد قامت المنظمات الصهيونية المسلحة بهدم القرية وتشريد أهلها البالغ عددهم عام 48 (2598) نسمة، وكان ذلك في 4/11/1948، هذا وقد أقام الصهاينة على أراضيها، مستعمرة (زيكيم) عام 1949، ومستعمرة (كرميا) عام 1950، ومستعمرة (ياد موردخاي) عام 1943م، ويبلغ مجموع اللاجئين من هذه القرية في عام 1998 حوالي (15957) نسمة.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر