ناصر عراق
عندما تتأمل الاحتقان الطائفي/ الفكري الذي يمسك بخناق المصريين هذه الأيام يعتريك الحزن. وحين ترى المسلمين والمسيحيين في 'أم الدنيا' يدخلون في نقاشات عقيمة حول القرآن الكريم وآياته، وطبيعة السيد المسيح ومعجزاته، يخامرك الأسى. ولما ترنو إلى الأوضاع البائسة للناس في بلد عبد الناصر وأم كلثوم وعبد الوهاب ونجيب محفوظ وأحمد زويل، يداهمك الغم!
آنذاك ستجد نفسك مدفوعاً لتذكر صاحب السيرة العطرة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بكل ما يمثله من فكر مستنير، وعزيمة جبارة، واتساع أفق. فالرجل الذي ولد عام 1889 تمر ذكرى رحيله السابعة والثلاثين هذا الشهر، إذ غاب عن دنيانا في 28 تشرين الاول (أكتوبر) سنة 1973 بعد أن ملأ الدنيا وشغل الناس، كما يقول البلغاء القدامى.
اعتذار القرون
أذكر جيداً عبارة دالة كتبها بحسرة الناقد الدكتور غالي شكري، عندما حاول أن يقارن بين بدايات القرن العشرين، وكيف كان المصريون يتطلعون إلى المستقبل بذهن منفتح وروح وثابة. وبين نهايات القرن نفسه، وكيف انكفأ الناس داخل ذواتهم، وهجروا حلمهم بحياة أفضل، مؤثرين الكمون خلف أفكار قديمة وأزياء أقدم!
هذه الملاحظة الذكية للدكتور غالي شكري جعلته يطلب من نهايات القرن أن تعتذر لبداياته، لأنها نهايات متخلفة تخاصم العصر، ولا تليق بالبلد الذي قاد نهضة كبرى في بدايات القرن.
فإذا كنت ممن يفضلون رؤية الأمور من منظور واسع، ستكتشف على الفور مدى حاجتنا إلى العودة نحو طه حسين، نستلهم آراءه الثاقبة ومواقفه الجريئة التي واجه بها خصومه من أصحاب العقول المتجمدة، والأفكار البالية.
مآثر ثورة 1919
لعلك تتفق معي على أن هناك كتاباً ومؤرخين ومبدعين قد عدّدوا مآثر ثورة 1919 التي قاد فيها سعد زغلول، والذين معه، الشعب المصري ضد الاحتلال الانكليزي، وأنهم صاغوا أفكارهم ورؤاهم حول تلك المآثر بصورة بليغة أوضحت لنا ماذا يمكن أن يفعل الشعب المقهور إذا انتفض وثار على الظلم. أبرز هذه المآثر توزعت بين إيقاظ الضمير الوطني للمصريين بعد سبات عميق، وبين اشتعال نهضة فكرية وثقافية واقتصادية وصحافية وفنية مدهشة.
دعني أتلو عليك أسماء أشهر نجوم هذه النهضة لتدرك كيف لمس المصريون نجوم السماء أو كادوا، وكيف زرعوا فواكه الحضارة أو أوشكوا؟ خذ عندك: أحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل وطه حسين وسلامة موسى وعباس العقاد وتوفيق الحكيم وعلي عبد الرازق وشقيقه مصطفى عبد الرازق وعبد العزيز البشري وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وجورج أبيض ويوسف وهبي وعزيز عيد ونجيب الريحاني وحسين رياض وعلي الكسار وعزيزة أمير وآسيا وفاطمة رشدي وأمينة رزق وأم كلثوم وعبد الوهاب ومحمد القصبجي وزكريا أحمد وبيرم التونسي وأحمد رامي والتشكيليين محمود مختار وأحمد صبري ومحمود سعيد وطلعت حرب ومحمد التابعي وروز اليوسف وصاروخان ورخا... والقائمة ممتدة.
بعض هؤلاء تألقت موهبته قبل ثورة 1919 ، لكن الجميع صالوا وجالوا ولمعوا بعد هذه الثورة الفاصلة، وفي مقدمة هؤلاء يقف طه حسين شامخاً بظله الأخضر وبريقه الفذ الذي خيّم على معاصريه، وفاض على الأجيال التالية. وما زالت أنواره تلهم الناس حتى هذه اللحظة!
الأسئلة الحرجة
عندما أصدر الدكتور طه حسين كتابه القنبلة 'في الشعر الجاهلي' سنة 1926 كانت مصر ما زالت تتكئ على حوائط فكرية مائلة، وجدران ثقافية شائخة، ورثتها من عصور الانحطاط المملوكي والعثماني. وكان المصريون أسرى لما يقال لهم، مهما كانت لا منطقيته، فلا يشغلون أنفسهم بإعادة النظر فيم سمعوه. ولا يستفزون عقولهم لمناقشة الآراء التي قرأوها، أو أنصتوا إليها، ليعيدوا تقييمها وتقويمها إذا لزم الأمر. فلما انطلق طه حسين بكتابه إياه، أثار العديد من الأسئلة الحرجة، ونبّه الناس إلى أمر شديد الأهمية وهو أن ليس كل ما هو قديم مقدساً. وأننا يجب أن نحتكم إلى العقل في كل ما نقرأ، فإذا كان الكلام يحترم العقل ويقدره تفاعلنا معه وانفعلنا به. وإذا لم يكن واجهناه بالمنطق والرأي السديد، حتى لا نخلط المقدسات بالخرافات، فنفسد إيماننا ونخرب عقولنا! هذا بإيجاز شديد ـ أرجو ألا يكون مخلاً ـ مضمون كتاب طه حسين.
لم تكن هذه الرؤية للأمور، أقصد الاحتكام إلى العقل أولاً، سائدة في مصر آنذاك، بل تكاد تكون غير موجودة أصلاً. لذا تصبح إعادة الاعتبار للعقل أحد أهم مآثر طه حسين على الحركة الثقافية والفكرية، ليس في مصر فحسب، بل في العالم العربي كله.
المناضل سار عميداً
الكل يعرف كيف كانت طفولة طه حسين وصباه وشبابه من خلال ما صاغه في كتابه موفور الصيت 'الأيام' الذي يتناول فيه سيرته الذاتية بأسلوب بالغ الأناقة والعذوبة. لكن 'الأيام' الذي صدر الجزء الأول منه سنة 1927 لم يتعرض إلى واقعة مهمة، وهي كيف وهب الناس طه حسين لقبه الخالد وهو 'عميد الأدب العربي' ؟
تعالوا أقص عليكم بإيجاز حكايته مع هذا اللقب، والتي تبدأ بموقف فكري ونضالي اتخذه طه حسين ضد رئيس الوزراء إسماعيل صدقي باشا. فالرجل الذي ترأس الحكومة من سنة 1930 حتى سنة 1934 حاز أسوأ سمعة في تاريخ رؤساء الوزراء في مصر، نظراً لديكتاتوريته المقيتة المستمدة من استبداد الملك فؤاد حاكم البلاد في ذلك الوقت.
في سنة 1932 كان طه حسين عميداً لكلية الآداب في جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً)، حين طلبت منه الحكومة تكريم أربعة رجال من خلال منحهم الدكتوراه الفخرية من الجامعة. رفض طه حسين بلباقة تنفيذ هذا الطلب، لأن هؤلاء الرجال كانوا من السياسيين الذين التفوا حول صدقي باشا، وليسوا علماء ولا مفكرين، فكيف تمنحهم الجامعة الدكتوراه الفخرية؟ انزعجت الحكومة من هذا الرفض، وقررت عقاب طه حسين حيث أزاحته من عمادة كلية الآداب ونقلته إلى وظيفة مراقب عام التعليم الابتدائي في وزارة المعارف!
لم يكتفِ طه حسين برفض تنفيذ قرار الحكومة المتعسف، بل أذاع السر وراء هذا القرار الغريب وذلك في حوار أجري معه في جريدة 'الأهرام' أو 'الجهاد' على ما أذكر، منذراً الحكومة بأنه سيرفع دعوى قضائية ضد قرارها الظالم. جُنّ جنون صدقي باشا وحكومته، حين فضح طه حسين نيتهم المشؤومة في فرض نفوذهم على الجامعة المصرية الوليدة. (تأسست الجامعة بصورة أهلية عام 1908 ، وتحولت إلى جامعة تابعة للحكومة سنة 1925). وعلى الفور اجتمعت الحكومة بقضها وقضيضها في اليوم نفسه الذي نُشر فيه حوار طه حسين، حيث أصدرت قراراً بائساً هذا نصه: 'فصل طه حسين أفندي من جميع وظائف الحكومة' . لعلك لاحظت إصرار الحكومة على تسفيه الرجل ونزع ألقابه العلمية، من خلال الصياغة المهينة للقرار.
هنا بالضبط انتفض طلاب وأساتذة الجامعة المصرية والمدارس الثانوية والمثقفون المصريون، حيث نظموا المظاهرات تنديداً بالحكومة التي فصلت عميد كلية الآداب، هاتفين بحياته ومواقفه النبيلة، قائلين بحسم إنه ليس عميداً لكلية الآداب فقط، بل هو 'عميد الأدب العربي كله'.
هكذا إذن منحه الشعب هذا اللقب التاريخي، بعد أن حرمته الحكومة من لقبه العلمي ووظيفته الأكاديمية.
كم عمر طه حسين ساعتها؟ ثلاثة وأربعون عاماً فقط لا غير، ويحمل على كتفيه لقباً خالداً لم يسبقه إليه أحد، وظل مقترناً به إلى الآن. وأظن أنه من الصعب أن يجرد الزمن طه حسين من هذا اللقب الفاتن الذي ناله عن استحقاق وجدارة.
التعليم كالماء والهواء
لا ينكر فضل طه حسين على الثقافة العربية إلا جاهل أو جاحد، فالرجل خاض بقلمه الرشيق وعقله النشط في بحر المعارف المتنوعة، فكتب الدراسات النقدية، وأعاد قراءة التاريخ الإسلامي وفق منطق عقلي، وترجم النصوص المسرحية ، وأبدع في فن الرواية، وترأس تحرير الصحف والمجلات، وترك لنا مئات المقالات، وألقى المحاضرات هنا وهناك... الخ.
لكنني أعتقد أن أحد أهم إنجازات الأستاذ العميد تمثل في صيحته المدوية 'التعليم كالماء والهواء بالمجان'. ثم نضاله لتحقيق هذه الصيحة أو الشعار عندما صار وزيراً للمعارف في حكومة مصطفى النحاس باشا سنة 1950 .
وبالفعل استطاع طه حسين أن يجبر الحكومة المصرية، والحكومات العربية بعدها، على تعليم أبنائها مجاناً، حيث استلهم كثير من القادة العرب (عبد الناصر أولهم ) هذا الشعار وطبقوه، فشيدوا المدارس ووفروا بيئة تعليمية مناسبة تستوعب أبناء الفقراء ، وهم بالملايين، الذين ما كانوا يحلمون بالالتحاق بالمدارس والجامعات لولا إصرار طه حسين على ضرورة توفير التعليم لجميع الناس بالمجان.
صحيح أن المقادير لم تتعامل مع أمنية طه حسين وشعاره النبيل بالتي هي أحسن، حيث صار التعليم المجاني الآن أسوأ مما يتخيل أحد، إلا أن ذلك لا يمنع أن ملايين الطلاب في مصر والعالم العربي تلقوا أفضل تعليم بالمجان عندما كان لهذا الشعار بريقه الآسر، وكان قادة الأمة متعففين ومسكونين بحلم تطوير مجتمعاتهم.
المفتونون بالعميد
منذ أن وهبتني الأقدار نعمة التعرف إلى كتابات طه حسين عن قرب، عندما قرأت له الجزء الأول من 'الأيام' وأنا طالب في الصف الثالث الإعدادي... أقول منذ ذلك الوقت، والعميد يحتل في قلبي أكرم ركن، حيث أنتشي بمتعة بالغة وأنا أطارد الكتب التي أنجزها، فألتهمها التهاماً. وأعيد قراءتها مرة ومرات، وأقوم بتسجيل بعض الفقرات والعبارات التي تأسرني في أوراقي الخاصة.
باختصار... لقد وقعت في هوى الأستاذ العميد، كما وقع غيري من قبل، فلما أتيحت لي فرصة التعرف شخصياً إلى كبار أدبائنا وكتابنا المصريين والعرب، سألتهم إن كانوا قد التقوا طه حسين شخصياً أم لا؟ وكيف كان انطباعهم عنه؟.
أذكر جيداً أن الشاعر السوري الكبير أدونيس قال لي، ونحن نجلس في مكتبي في مجلة 'دبي الثقافية' حين كنت مديراً لتحريرها قبل نحو عامين: 'لقد فتنت به وبأحاديثه' . وذلك عندما زاره في منزله بصحبة وفد سوري ولبناني سنة 1966.
وقد سجّل أدونيس انطباعاته عن هذه الزيارة، ونشرناها في دبي الثقافية حين أصدرنا عدداً خاصاً بمناسبة الذكرى 35 لرحيل طه حسين.
أما الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، رعى الله أيامه، فحكى لي كيف رآه في 'نادي القصة' عام 1958 حيث كان يجلس على مقعده في حديقة النادي، وكأنه ملك. ثم يضيف حجازي: 'كنا نتأمل شموخه بإعجاب' . يسرح الشاعر الكبير قليلاً وكأنه يتذكر مشهد العميد، ثم يقول لي: 'إن الفرنسيين يطلقون لقب الملك على كاتبهم العبقري فيكتور هوغو، وأنا أظن أن طه حسين يستحق أن نمنحه هذا اللقب. لقد كان ملكاً بحق'.
الناقد الكبير المرحوم رجاء النقاش سرد لي أيضاً، كيف كان الطلاب والأساتذة و' الفراشون' في كلية الآداب في جامعة القاهرة ـ عندما كان رجاء طالباً بها في النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي - يهرعون نحو المدرج الذي سيلقي فيه العميد محاضرته. وكيف كان الكل ـ يؤكد رجاء ـ يجلس صامتاً لينصت إلى صوت الرجل الرخيم، وهو يتحدث بلغته العربية الصافية والجزلة.
كذلك أخبرني الناقد الراحل فاروق عبد القادر ونحن نجلس في أحد كافيتريات وسط البلد، كيف كان ينتقل من كلية الآداب في جامعة عين شمس، إذ كان طالباً بها، إلى آداب القاهرة لتتسنى له رؤية طه حسين وهو يلقي محاضراته في الجامعة!
الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور أسرّ لي، ونحن نتجول في شوارع العاصمة الكورية سيؤول، عن افتتانه بطه حسين عندما كان طالباً في المرحلة الثانوية، لدرجة أنه راح يسأل الناس كيف يلتقيه؟ فأخبروه أنه يقوم بالتدريس في كلية الآداب. فقرر جابر عصفور أن يلتحق بها. فلما تحقق له ما أراد اكتشف أن العميد أصبح لا يلقي محاضراته إلا على طلبة الماجستير فقط، نظراً لاعتلال صحته. فأيقن جابر أنه لا مفر أمامه من أن يتقدم الصفوف ويحصل على ما يؤهله لدراسة الماجستير حتى يحظى بلقاء طه حسين، والتتلمذ على يديه. وبالفعل نال جابر ما أراد، لكنه فوجئ بأن صاحب 'الأيام' لا يلقي محاضراته إلا على طلبة الدكتوراه فحسب، لأن الزمن بات لا يعامله بالتي هي أحسن بعد أن تجاوز الخامسة والسبعين. فلما حصل جابر على الماجستير وبحث عن العميد، وجده توقف تماماً عن التدريس واكتفى بقضاء كهولته في البيت.
وهكذا قنع جابر عصفور بإعداد رسالة الدكتوراه تحت إشراف تلميذة طه حسين النجيبة الدكتورة سهير القلماوي، التي كافأت نبوغ طالبها المجتهد والمهووس بطه حسين، بأن رتبت له لقاء وحيداً مع عميد الأدب العربي!
يقول لي جابر عصفور، بعد أن توقف قليلاً في أحد الشوارع الجانبية لسيؤول حتى يلتقط أنفاسه، بعد أن قضينا أكثر من ساعة سائرين على الأقدام: 'فوجئت بأن الدكتورة سهير طلبت مني أن أصطحبها إلى مكان ما، وبالفعل صعدت إلى سيارتها حيث أمرت سائقها بالذهاب إلى فيللا رامتان ـ تعني واحتان ـ وهي الفيللا التي يقطن فيها الأستاذ العميد. ثم يستطرد الدكتور جابر هامساً: 'ذهلت... إذ وجدتني فجأة وجهاً لوجه مع هذه القامة الشاهقة، فلم أنطق بحرف. الأمر الذي دفع طه حسين إلى أن يوجه كلامه إلى سهير القلماوي قائلاً: تلميذك هذا أقرب إلى الفلسفة منه إلى الأدب لأنه صموت'.
هؤلاء بعض الذين فتنوا به وقابلوه، وحكوا لي ما رأوا وما سمعوا. أما الذين سحرهم طه حسين بعلمه وثقافته وبلاغته، فما أكثرهم في عالمنا العربي.
لغتنا العربية يسر لا عسر
'لغتنا العربية يسر لا عسر. ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها، ولنا أن نضيف إليها ما نحتاج إليه من ألفاظ لم تكن مستخدمة في العصر القديم'. هذا نص الفقرة التي كان يتلوها طه حسين بصوته العذب كمقدمة لأحد البرامج اليومية في الإذاعة المصرية. كنت أستمع إليها وأنا طفل، فكان يأسرني أداؤه السلس، فحفظتها منذ ذلك الحين.
إن موقف طه حسين من اللغة العربية وضرورة تجديدها، موقف ثوري وتقدمي ـ إذا جاز القول ـ وفي اعتقادي أنه لم ينل ما يستحق من بحث وتمحيص ودراسة. وهو أمر أظنه حتمياً الآن في ظل تراجع مخيف للغة العربية، يقابله صعود مريب للهجات المحلية في كل ما يكتب أو ينشر تقريباً.
من أجمل وأعمق ما كتب طه حسين، ودونته في أوراقي الخاصة،ذلك الإهداء الذي وضعه على كتابه 'حديث الأربعاء' الذي صدر عام 1935 . كتب العميد بالحرف الواحد: 'إلى الذين لا يعملون ويؤذي نفوسهم أن يعمل الناس... أهدي هذا الكتاب'.
أرأيت أبلغ وأعمق من هذه العبارة التي تفضح كثيراً من الكسالى وعديمي الموهبة، الذين يترصدون للمجتهدين وأصحاب الكفاءات؟
لا يغيب عن القارئ الحصيف أن الإنتاج الغزير لعميد الأدب العربي يؤكد أن الرجل كان يتمتع بفضيلة الانكباب على العمل وإتقانه، وأنه كان نموذجاً نبيلاً للإنسان المكافح والمجد، ويكفيه فخراً أنه أول مصري وعربي يحصل على الدكتوراه من فرنسا.
ألم أقل لك في بداية المقال أن الأوضاع الفكرية والثقافية في مصر وصلت إلى مستوى مؤسف، وأننا بحاجة ماسة إلى استلهام آراء طه حسين الجريئة ومواقفه الحاسمة مرة أخرى، فقد كان الرجل وما زال رمزاً باذخاً لحرية الفكر والإبداع.
أظنك بعد أن قرأت هذا المقال عن الأستاذ العميد توافقني الرأي... أليس كذلك؟
آنذاك ستجد نفسك مدفوعاً لتذكر صاحب السيرة العطرة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بكل ما يمثله من فكر مستنير، وعزيمة جبارة، واتساع أفق. فالرجل الذي ولد عام 1889 تمر ذكرى رحيله السابعة والثلاثين هذا الشهر، إذ غاب عن دنيانا في 28 تشرين الاول (أكتوبر) سنة 1973 بعد أن ملأ الدنيا وشغل الناس، كما يقول البلغاء القدامى.
اعتذار القرون
أذكر جيداً عبارة دالة كتبها بحسرة الناقد الدكتور غالي شكري، عندما حاول أن يقارن بين بدايات القرن العشرين، وكيف كان المصريون يتطلعون إلى المستقبل بذهن منفتح وروح وثابة. وبين نهايات القرن نفسه، وكيف انكفأ الناس داخل ذواتهم، وهجروا حلمهم بحياة أفضل، مؤثرين الكمون خلف أفكار قديمة وأزياء أقدم!
هذه الملاحظة الذكية للدكتور غالي شكري جعلته يطلب من نهايات القرن أن تعتذر لبداياته، لأنها نهايات متخلفة تخاصم العصر، ولا تليق بالبلد الذي قاد نهضة كبرى في بدايات القرن.
فإذا كنت ممن يفضلون رؤية الأمور من منظور واسع، ستكتشف على الفور مدى حاجتنا إلى العودة نحو طه حسين، نستلهم آراءه الثاقبة ومواقفه الجريئة التي واجه بها خصومه من أصحاب العقول المتجمدة، والأفكار البالية.
مآثر ثورة 1919
لعلك تتفق معي على أن هناك كتاباً ومؤرخين ومبدعين قد عدّدوا مآثر ثورة 1919 التي قاد فيها سعد زغلول، والذين معه، الشعب المصري ضد الاحتلال الانكليزي، وأنهم صاغوا أفكارهم ورؤاهم حول تلك المآثر بصورة بليغة أوضحت لنا ماذا يمكن أن يفعل الشعب المقهور إذا انتفض وثار على الظلم. أبرز هذه المآثر توزعت بين إيقاظ الضمير الوطني للمصريين بعد سبات عميق، وبين اشتعال نهضة فكرية وثقافية واقتصادية وصحافية وفنية مدهشة.
دعني أتلو عليك أسماء أشهر نجوم هذه النهضة لتدرك كيف لمس المصريون نجوم السماء أو كادوا، وكيف زرعوا فواكه الحضارة أو أوشكوا؟ خذ عندك: أحمد لطفي السيد ومحمد حسين هيكل وطه حسين وسلامة موسى وعباس العقاد وتوفيق الحكيم وعلي عبد الرازق وشقيقه مصطفى عبد الرازق وعبد العزيز البشري وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وجورج أبيض ويوسف وهبي وعزيز عيد ونجيب الريحاني وحسين رياض وعلي الكسار وعزيزة أمير وآسيا وفاطمة رشدي وأمينة رزق وأم كلثوم وعبد الوهاب ومحمد القصبجي وزكريا أحمد وبيرم التونسي وأحمد رامي والتشكيليين محمود مختار وأحمد صبري ومحمود سعيد وطلعت حرب ومحمد التابعي وروز اليوسف وصاروخان ورخا... والقائمة ممتدة.
بعض هؤلاء تألقت موهبته قبل ثورة 1919 ، لكن الجميع صالوا وجالوا ولمعوا بعد هذه الثورة الفاصلة، وفي مقدمة هؤلاء يقف طه حسين شامخاً بظله الأخضر وبريقه الفذ الذي خيّم على معاصريه، وفاض على الأجيال التالية. وما زالت أنواره تلهم الناس حتى هذه اللحظة!
الأسئلة الحرجة
عندما أصدر الدكتور طه حسين كتابه القنبلة 'في الشعر الجاهلي' سنة 1926 كانت مصر ما زالت تتكئ على حوائط فكرية مائلة، وجدران ثقافية شائخة، ورثتها من عصور الانحطاط المملوكي والعثماني. وكان المصريون أسرى لما يقال لهم، مهما كانت لا منطقيته، فلا يشغلون أنفسهم بإعادة النظر فيم سمعوه. ولا يستفزون عقولهم لمناقشة الآراء التي قرأوها، أو أنصتوا إليها، ليعيدوا تقييمها وتقويمها إذا لزم الأمر. فلما انطلق طه حسين بكتابه إياه، أثار العديد من الأسئلة الحرجة، ونبّه الناس إلى أمر شديد الأهمية وهو أن ليس كل ما هو قديم مقدساً. وأننا يجب أن نحتكم إلى العقل في كل ما نقرأ، فإذا كان الكلام يحترم العقل ويقدره تفاعلنا معه وانفعلنا به. وإذا لم يكن واجهناه بالمنطق والرأي السديد، حتى لا نخلط المقدسات بالخرافات، فنفسد إيماننا ونخرب عقولنا! هذا بإيجاز شديد ـ أرجو ألا يكون مخلاً ـ مضمون كتاب طه حسين.
لم تكن هذه الرؤية للأمور، أقصد الاحتكام إلى العقل أولاً، سائدة في مصر آنذاك، بل تكاد تكون غير موجودة أصلاً. لذا تصبح إعادة الاعتبار للعقل أحد أهم مآثر طه حسين على الحركة الثقافية والفكرية، ليس في مصر فحسب، بل في العالم العربي كله.
المناضل سار عميداً
الكل يعرف كيف كانت طفولة طه حسين وصباه وشبابه من خلال ما صاغه في كتابه موفور الصيت 'الأيام' الذي يتناول فيه سيرته الذاتية بأسلوب بالغ الأناقة والعذوبة. لكن 'الأيام' الذي صدر الجزء الأول منه سنة 1927 لم يتعرض إلى واقعة مهمة، وهي كيف وهب الناس طه حسين لقبه الخالد وهو 'عميد الأدب العربي' ؟
تعالوا أقص عليكم بإيجاز حكايته مع هذا اللقب، والتي تبدأ بموقف فكري ونضالي اتخذه طه حسين ضد رئيس الوزراء إسماعيل صدقي باشا. فالرجل الذي ترأس الحكومة من سنة 1930 حتى سنة 1934 حاز أسوأ سمعة في تاريخ رؤساء الوزراء في مصر، نظراً لديكتاتوريته المقيتة المستمدة من استبداد الملك فؤاد حاكم البلاد في ذلك الوقت.
في سنة 1932 كان طه حسين عميداً لكلية الآداب في جامعة فؤاد الأول (القاهرة حالياً)، حين طلبت منه الحكومة تكريم أربعة رجال من خلال منحهم الدكتوراه الفخرية من الجامعة. رفض طه حسين بلباقة تنفيذ هذا الطلب، لأن هؤلاء الرجال كانوا من السياسيين الذين التفوا حول صدقي باشا، وليسوا علماء ولا مفكرين، فكيف تمنحهم الجامعة الدكتوراه الفخرية؟ انزعجت الحكومة من هذا الرفض، وقررت عقاب طه حسين حيث أزاحته من عمادة كلية الآداب ونقلته إلى وظيفة مراقب عام التعليم الابتدائي في وزارة المعارف!
لم يكتفِ طه حسين برفض تنفيذ قرار الحكومة المتعسف، بل أذاع السر وراء هذا القرار الغريب وذلك في حوار أجري معه في جريدة 'الأهرام' أو 'الجهاد' على ما أذكر، منذراً الحكومة بأنه سيرفع دعوى قضائية ضد قرارها الظالم. جُنّ جنون صدقي باشا وحكومته، حين فضح طه حسين نيتهم المشؤومة في فرض نفوذهم على الجامعة المصرية الوليدة. (تأسست الجامعة بصورة أهلية عام 1908 ، وتحولت إلى جامعة تابعة للحكومة سنة 1925). وعلى الفور اجتمعت الحكومة بقضها وقضيضها في اليوم نفسه الذي نُشر فيه حوار طه حسين، حيث أصدرت قراراً بائساً هذا نصه: 'فصل طه حسين أفندي من جميع وظائف الحكومة' . لعلك لاحظت إصرار الحكومة على تسفيه الرجل ونزع ألقابه العلمية، من خلال الصياغة المهينة للقرار.
هنا بالضبط انتفض طلاب وأساتذة الجامعة المصرية والمدارس الثانوية والمثقفون المصريون، حيث نظموا المظاهرات تنديداً بالحكومة التي فصلت عميد كلية الآداب، هاتفين بحياته ومواقفه النبيلة، قائلين بحسم إنه ليس عميداً لكلية الآداب فقط، بل هو 'عميد الأدب العربي كله'.
هكذا إذن منحه الشعب هذا اللقب التاريخي، بعد أن حرمته الحكومة من لقبه العلمي ووظيفته الأكاديمية.
كم عمر طه حسين ساعتها؟ ثلاثة وأربعون عاماً فقط لا غير، ويحمل على كتفيه لقباً خالداً لم يسبقه إليه أحد، وظل مقترناً به إلى الآن. وأظن أنه من الصعب أن يجرد الزمن طه حسين من هذا اللقب الفاتن الذي ناله عن استحقاق وجدارة.
التعليم كالماء والهواء
لا ينكر فضل طه حسين على الثقافة العربية إلا جاهل أو جاحد، فالرجل خاض بقلمه الرشيق وعقله النشط في بحر المعارف المتنوعة، فكتب الدراسات النقدية، وأعاد قراءة التاريخ الإسلامي وفق منطق عقلي، وترجم النصوص المسرحية ، وأبدع في فن الرواية، وترأس تحرير الصحف والمجلات، وترك لنا مئات المقالات، وألقى المحاضرات هنا وهناك... الخ.
لكنني أعتقد أن أحد أهم إنجازات الأستاذ العميد تمثل في صيحته المدوية 'التعليم كالماء والهواء بالمجان'. ثم نضاله لتحقيق هذه الصيحة أو الشعار عندما صار وزيراً للمعارف في حكومة مصطفى النحاس باشا سنة 1950 .
وبالفعل استطاع طه حسين أن يجبر الحكومة المصرية، والحكومات العربية بعدها، على تعليم أبنائها مجاناً، حيث استلهم كثير من القادة العرب (عبد الناصر أولهم ) هذا الشعار وطبقوه، فشيدوا المدارس ووفروا بيئة تعليمية مناسبة تستوعب أبناء الفقراء ، وهم بالملايين، الذين ما كانوا يحلمون بالالتحاق بالمدارس والجامعات لولا إصرار طه حسين على ضرورة توفير التعليم لجميع الناس بالمجان.
صحيح أن المقادير لم تتعامل مع أمنية طه حسين وشعاره النبيل بالتي هي أحسن، حيث صار التعليم المجاني الآن أسوأ مما يتخيل أحد، إلا أن ذلك لا يمنع أن ملايين الطلاب في مصر والعالم العربي تلقوا أفضل تعليم بالمجان عندما كان لهذا الشعار بريقه الآسر، وكان قادة الأمة متعففين ومسكونين بحلم تطوير مجتمعاتهم.
المفتونون بالعميد
منذ أن وهبتني الأقدار نعمة التعرف إلى كتابات طه حسين عن قرب، عندما قرأت له الجزء الأول من 'الأيام' وأنا طالب في الصف الثالث الإعدادي... أقول منذ ذلك الوقت، والعميد يحتل في قلبي أكرم ركن، حيث أنتشي بمتعة بالغة وأنا أطارد الكتب التي أنجزها، فألتهمها التهاماً. وأعيد قراءتها مرة ومرات، وأقوم بتسجيل بعض الفقرات والعبارات التي تأسرني في أوراقي الخاصة.
باختصار... لقد وقعت في هوى الأستاذ العميد، كما وقع غيري من قبل، فلما أتيحت لي فرصة التعرف شخصياً إلى كبار أدبائنا وكتابنا المصريين والعرب، سألتهم إن كانوا قد التقوا طه حسين شخصياً أم لا؟ وكيف كان انطباعهم عنه؟.
أذكر جيداً أن الشاعر السوري الكبير أدونيس قال لي، ونحن نجلس في مكتبي في مجلة 'دبي الثقافية' حين كنت مديراً لتحريرها قبل نحو عامين: 'لقد فتنت به وبأحاديثه' . وذلك عندما زاره في منزله بصحبة وفد سوري ولبناني سنة 1966.
وقد سجّل أدونيس انطباعاته عن هذه الزيارة، ونشرناها في دبي الثقافية حين أصدرنا عدداً خاصاً بمناسبة الذكرى 35 لرحيل طه حسين.
أما الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي، رعى الله أيامه، فحكى لي كيف رآه في 'نادي القصة' عام 1958 حيث كان يجلس على مقعده في حديقة النادي، وكأنه ملك. ثم يضيف حجازي: 'كنا نتأمل شموخه بإعجاب' . يسرح الشاعر الكبير قليلاً وكأنه يتذكر مشهد العميد، ثم يقول لي: 'إن الفرنسيين يطلقون لقب الملك على كاتبهم العبقري فيكتور هوغو، وأنا أظن أن طه حسين يستحق أن نمنحه هذا اللقب. لقد كان ملكاً بحق'.
الناقد الكبير المرحوم رجاء النقاش سرد لي أيضاً، كيف كان الطلاب والأساتذة و' الفراشون' في كلية الآداب في جامعة القاهرة ـ عندما كان رجاء طالباً بها في النصف الأول من خمسينيات القرن الماضي - يهرعون نحو المدرج الذي سيلقي فيه العميد محاضرته. وكيف كان الكل ـ يؤكد رجاء ـ يجلس صامتاً لينصت إلى صوت الرجل الرخيم، وهو يتحدث بلغته العربية الصافية والجزلة.
كذلك أخبرني الناقد الراحل فاروق عبد القادر ونحن نجلس في أحد كافيتريات وسط البلد، كيف كان ينتقل من كلية الآداب في جامعة عين شمس، إذ كان طالباً بها، إلى آداب القاهرة لتتسنى له رؤية طه حسين وهو يلقي محاضراته في الجامعة!
الناقد الكبير الدكتور جابر عصفور أسرّ لي، ونحن نتجول في شوارع العاصمة الكورية سيؤول، عن افتتانه بطه حسين عندما كان طالباً في المرحلة الثانوية، لدرجة أنه راح يسأل الناس كيف يلتقيه؟ فأخبروه أنه يقوم بالتدريس في كلية الآداب. فقرر جابر عصفور أن يلتحق بها. فلما تحقق له ما أراد اكتشف أن العميد أصبح لا يلقي محاضراته إلا على طلبة الماجستير فقط، نظراً لاعتلال صحته. فأيقن جابر أنه لا مفر أمامه من أن يتقدم الصفوف ويحصل على ما يؤهله لدراسة الماجستير حتى يحظى بلقاء طه حسين، والتتلمذ على يديه. وبالفعل نال جابر ما أراد، لكنه فوجئ بأن صاحب 'الأيام' لا يلقي محاضراته إلا على طلبة الدكتوراه فحسب، لأن الزمن بات لا يعامله بالتي هي أحسن بعد أن تجاوز الخامسة والسبعين. فلما حصل جابر على الماجستير وبحث عن العميد، وجده توقف تماماً عن التدريس واكتفى بقضاء كهولته في البيت.
وهكذا قنع جابر عصفور بإعداد رسالة الدكتوراه تحت إشراف تلميذة طه حسين النجيبة الدكتورة سهير القلماوي، التي كافأت نبوغ طالبها المجتهد والمهووس بطه حسين، بأن رتبت له لقاء وحيداً مع عميد الأدب العربي!
يقول لي جابر عصفور، بعد أن توقف قليلاً في أحد الشوارع الجانبية لسيؤول حتى يلتقط أنفاسه، بعد أن قضينا أكثر من ساعة سائرين على الأقدام: 'فوجئت بأن الدكتورة سهير طلبت مني أن أصطحبها إلى مكان ما، وبالفعل صعدت إلى سيارتها حيث أمرت سائقها بالذهاب إلى فيللا رامتان ـ تعني واحتان ـ وهي الفيللا التي يقطن فيها الأستاذ العميد. ثم يستطرد الدكتور جابر هامساً: 'ذهلت... إذ وجدتني فجأة وجهاً لوجه مع هذه القامة الشاهقة، فلم أنطق بحرف. الأمر الذي دفع طه حسين إلى أن يوجه كلامه إلى سهير القلماوي قائلاً: تلميذك هذا أقرب إلى الفلسفة منه إلى الأدب لأنه صموت'.
هؤلاء بعض الذين فتنوا به وقابلوه، وحكوا لي ما رأوا وما سمعوا. أما الذين سحرهم طه حسين بعلمه وثقافته وبلاغته، فما أكثرهم في عالمنا العربي.
لغتنا العربية يسر لا عسر
'لغتنا العربية يسر لا عسر. ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها، ولنا أن نضيف إليها ما نحتاج إليه من ألفاظ لم تكن مستخدمة في العصر القديم'. هذا نص الفقرة التي كان يتلوها طه حسين بصوته العذب كمقدمة لأحد البرامج اليومية في الإذاعة المصرية. كنت أستمع إليها وأنا طفل، فكان يأسرني أداؤه السلس، فحفظتها منذ ذلك الحين.
إن موقف طه حسين من اللغة العربية وضرورة تجديدها، موقف ثوري وتقدمي ـ إذا جاز القول ـ وفي اعتقادي أنه لم ينل ما يستحق من بحث وتمحيص ودراسة. وهو أمر أظنه حتمياً الآن في ظل تراجع مخيف للغة العربية، يقابله صعود مريب للهجات المحلية في كل ما يكتب أو ينشر تقريباً.
من أجمل وأعمق ما كتب طه حسين، ودونته في أوراقي الخاصة،ذلك الإهداء الذي وضعه على كتابه 'حديث الأربعاء' الذي صدر عام 1935 . كتب العميد بالحرف الواحد: 'إلى الذين لا يعملون ويؤذي نفوسهم أن يعمل الناس... أهدي هذا الكتاب'.
أرأيت أبلغ وأعمق من هذه العبارة التي تفضح كثيراً من الكسالى وعديمي الموهبة، الذين يترصدون للمجتهدين وأصحاب الكفاءات؟
لا يغيب عن القارئ الحصيف أن الإنتاج الغزير لعميد الأدب العربي يؤكد أن الرجل كان يتمتع بفضيلة الانكباب على العمل وإتقانه، وأنه كان نموذجاً نبيلاً للإنسان المكافح والمجد، ويكفيه فخراً أنه أول مصري وعربي يحصل على الدكتوراه من فرنسا.
ألم أقل لك في بداية المقال أن الأوضاع الفكرية والثقافية في مصر وصلت إلى مستوى مؤسف، وأننا بحاجة ماسة إلى استلهام آراء طه حسين الجريئة ومواقفه الحاسمة مرة أخرى، فقد كان الرجل وما زال رمزاً باذخاً لحرية الفكر والإبداع.
أظنك بعد أن قرأت هذا المقال عن الأستاذ العميد توافقني الرأي... أليس كذلك؟
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر