النكبة في ذاكرة الجدة ام فهمي: هاجرنا من حي القطمون في القدس بعد تهديدات عصابة الهاغانا بقتل الجميع
كنت يومها في التاسعة فقط..لكنني أذكر كل شيء هكذا بدأت جدّتي لأمي أم فهمي كلامها عن ماضٍ أليم عاشته في طفولتها المبكّرة، وظلّ عالقاً في ذاكرتها رغم مرور 61 عاماً عليه، فلم يمحوه مرور الزمن و لا تقدم العمر.
مع دخول قوات الهاغانا هاجرت جدتي مع عائلتها المكوّنة من 9 أفراد، وعائلة عمها وأولادهم وزوجاتهم من حي القطمون الذي عرف في وقتها بحي أغنياء القدس، لما كان عليه من روعة البناء ومساحات البساتين المحيطة، و تمّ السيطرة عليه كونه يشكل موقعا استراتيجيا لتأمين السيطرة الكاملة على الشطر الغربي من القدس.
واضافت: لم نأخذ أي شيء من المنزل غير بعض الملابس و القليل من الحاجيات، على أساس أننا سنعود في اليومين التاليين على أبعد تقدير.
عمد الهاغانا الإسرائيلي إلى تخويف الناس و ترهيبهم عبر ارتكاب مجازر كان أكبرها مجزرة دير ياسين حيث أبادوا جميع سكانها، وبلغ عدد ضحايا المجزرة 276 فلسطينيا.
تتابع أم فهمي حديثها: استغلت العصابات اليهودية المسلحة المجزرة وأخذت تتوعد من مكبرات الصوت مواطني العربية بأنه إذا لم ترحلوا سوف يكون مصيركم كالمصير الذي آلت إليه قرية دير ياسين، وحاولوا إغراءنا بأن أخبرونا أن الطريق إلى أريحا مفتوحة أمامنا وسالكة، وعلينا أن نهرب من القدس قبل أن نقتل جميعنا، وللأسف خاف سكان الحي الذي كنت أعيش فيه ورحلوا جميعاً.
وذكرت جدّتي كيف فجرت العصابات الإسرائيلية فندق سميراميس، أهم المعالم البارزة في الحي، ووصل عدد ضحايا مجزرة الفندق إلى أربعين ضحية، وسوغت الهاغاناه تفجير الفندق كعادتها بالكذب بالقول انه يستعمل كقاعدة انطلاق للمقاومة العربية، وكغرفة عمليات رئيسة لمنظمة الشباب العربي المسلح.
أخذني والدي إلى حي القطمون الذي يسمى حالياً «تل بيوت»، واطلعني على المنزل الذي كان لأجداده ووالديه حيث ولدت أخته الكبرى فيه في العام الذي سبق النكبة تماماً، حيث تركت والدته (جدتي الأخرى) ملابس الطفلة كلها في مكانها، لأنهم كانوا على يقين بعودتهم إلى البيت لاحقاً.
ومازال للبيت الشكل القديم الذي كان عليه بطابقيه ودرجاته ومسطبة المدخل والدرابزين الحجري، ومضافاً إليه طابق آخر حديث البناء، واخبرني والدي عن شجرة الصفصاف نفسها في الطرف الأيمن من المنزل التي زرعها جدّه في ذلك المكان. ولمّا حاولنا أن ندخل المنزل ونتحدّث إلى سكانه الحاليين رفضوا بشدّة، رغم أن الجيل الذي سبقه سمح لجدّي وأخوانه بزيارته بعد أن فتحت الجدر الفاصلة ما بين القدس الشرقية والغربية.
كان عمر والدي 20 عاماً وزار المنزل برفقة والده وأعمامه، ولم يدخل وقتها والده (جدّي) ، بل اكتفى بالوقوف والبكاء على عتباته. وحين قال جدّي لسكان البيت اليهود «كان هذا بيتنا»، ردّوا عليه باستهزاء «كااااان بيتك».
تكمل جدّتي أم فهمي حديثها هاجرنا إلى قرية صويلح قرب عمّان، ولأنني كنت الكبرى بين أخوتي كانت أمّي تبعث بي إلى المخبز لشراء الخبز وبعض الحاجيات، ورغم صغر سنّي كنت أركب الحافلة و أتنقل من مكان إلى آخر، وأسير في الطرقات وحدي حتّى أصل إلى عمّان لشراء ما طلبته منّي أمي، وأعود أدراجي كما ذهبت.
تضيف: لقد عشنا أياماً صعبة لم نجد فيها ما نأكله، فكان أخي يشتري الكعك بالسمسم و يبيعه بين الناس في عمّان، حتّى نتمكّن من سد حاجاتنا من الطعام والشراب.
وتمكّنت جدّتي أم فهمي وعائلتها من العودة إلى القدس، لكن ليس إلى حي القطمون بل إلى البلدة القديمة، وسكنوا هناك في غرفة استأجروها من سكان المنزل، أرضها من التراب ولا شبابيك فيها كانت أمي تكنس التراب وتفرد ما تيسّر لها من أغطية على الأرض.
ورغم المعونات التي كانت تقدمها وكالة الغوث فقد عانى اللاجئون من قلة الطعام، تقول أم فهمي بهذا الصدد كانت والدتي لكثرة عددنا أنا وأخوتي وقلّة الطعام، تعجن الطحين وتخبزه وترشّ السكّر عليه لتشبعنا، وكانت في أوقات أخرى تفتّه في الشاي أو الحليب إن توفّر وتطعمنا من الصحن الواحد كلنا على التوالي.
وتذكر جدّتي كيف كانت جارتهم العجوز تبكي كلّما نادت أمها على أختها باسمها، وسألتها مرّة عن سبب بكائها فأجابتها كان لي ابنة تحمل نفس الاسم، استشهدت في دير ياسين في الوقت الذي كنت أنا فيه في زيارة لقرية مجاورة، وبقيت أنا وابني الأصغر من عائلتي التي قتل منها 22 فرداً.
وما زال شقيق أم فهمي يحتفظ بأوراق وطابو البيت، وبعض الكواشين له ولأخوته، والقليل من الأوراق الأخرى من حسابات الملحمة التي كانت لوالده وأبناء عمّه في منطقة المالحة والتي فقدوها مع ما فقدوه من أملاك أخرى عام 1948.
ومع ما يتداوله الكثيرون عن تعويضات مالية لأصحاب البيوت والأملاك من المهجّرين، سألت جدّتي ما إذا كانت ستأخذ أي تعويض فقالت بحدّة ولا أي أموال ولو كانت الملايين ستعوّض عن حقنا في أرضنا، وكل من تسول له نفسه ويقبض عن أرضه وبيته فهو خائن لا شك.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر