- الأرض في الثقافة الفلسطينية
1-1- الثقافة الفلسطينية:
قد يكون هنالك سياسة قطرية او اقتصاد قطري، او أدب قطري، ولكنه من الصعب ان يكون هنالك ثقافة عربية قطرية. اما قطر فلسطين فذو خصوصية غير نابعة من طبيعة فلسطين واهلها او من طبيعة مناخها، بل من طبيعة كونها في مواجهة عدو عنصري إحلالي طردي في فضاءات السياسة والاقتصاد والثقافة. ولذلك فان الثقافة الفلسطينية أخذت بالتبلور منذ مطلع القرن العشرين، واكتسبت خصوصيتها من موقع حارس الارض والمقاوم، ولكنها لم تكن الا نَسَغا حيويا من جذور الثقافة العربية.
وان الثقافة الفلسطينية وحدة واحدة في فلسطين والشتات، وفي ذات الوقت تراعي الخصوصية المكانية باعتبارها ضمانة للحفاظ على الشخصية الوطنية التي ما زالت تكابد وتتحدى وتقدم الاجوبة اليومية لأسئلة الحاضر والمستقبل في مواجهة المشروع الصهيوني القائم على الاحتلال والاحلال والتذويب والإبادة .
الهوية الثقافية، باعتبارها المعرّف الحضاري، وباعتبارها المعيارية السلوكية للافراد والجماعات، تتعرض لهجمات شرسة ومبرمجة لتشويهها وتذويبها وتحويل مرجعياتها بما يخدم عولمة آخذة بالتوحّش. والقوة الغاشمة المحتلة تعمل على حفر مقولاتها بالحديد والنار؛ وسؤال الهوية الثقافية المترافق مع الضعف السياسي والحضاري قد يدفع الى ذروتين مرَضيتين هما التطرف او الاستسلام. ولان الفضيلة (كما يقول الفلاسفة) تقع بين رذيلتين هما الافراط و التفريط، فلا بد من مواصلة الاضائة والتنوير على المسألة الثقافية.
1-2- مفهوم الارض عند الفلسطينيين:
في اللهجة الفلسطينية يأتي مصطلح الأرض أو "الوطاة" ليعني المعنى العام والخاص، أي الأرض كاسم جنس وكملكية، سواء كانت خاصة أو مشاع للأسرة أو القبيلة أو القرية، وكان العديد من الفلسطينيين، كأخوتهم في سوريا الكبرى، يتهرّبون من تسجيل الأرض باسمهم في الطابو العثماني ليتفادوا دفع الضرائب الباهظة التي لا قِبَل لهم بها. ولذلك بقيت مساحات شاسعة في فلسطين مشاعاً أو مسجلة باسم "مقطعجية" أو"ملتزمين" يقيمون في المدن الفلسطينية أو في بيروت أو دمشق، واكتفى أصحابها بحق الاستعمال.
ورغم ضعف السيكلوجيا الفردية بتملك الأرض آنذاك، فإن الذاكرة الشعبية الفلسطينية تحمل قداسة خاصة للأرض، وكأن الجاحظ قصدهم عندما قال "حب الوطن طبع في الناس"؛ فهم يعتقدون أن أرض فلسطين مقدسة لسببين: الأول لأن الله باركها دون غيرها فجعلها مهبط الرسل جميعاً ومسرى آخرهم (محمد صلى الله عليه وسلم) ومعراجه، فهي بوابة الأرض إلى السماء. والثاني لأنها مجبولة التربة بدم الشهداء المدافعين عنها (تاريخياً) ضد الغزاة منذ العبرانيين قبل الميلاد وحتى الإسرائيليين قبل أيام، ويعتقد الريفيون منهم أن ذلك هو سبب احمرار تربتها المسمّاة "سَمَكَة".
ومنذ بداية الهجرة الاستيطانية اليهودية في فلسطين تطور لدى الفلسطينيين مفهوم الارض فصارت ثلاثية الابعاد: جغرافي واقتصادي واجتماعي، ونما التمسكُ بأرضهم الخاصة وتقديسها، وشيئاً فشيئاً صاروا ينظرون لها كجزء من شرفهم، وأصبح التخلي عنها معيباً، وتداولوا مقولة، سرعان ما أصبحت من المقولات العامة جداً: "الأرض كالعرض"، تدنيسهما عار، والتخلي عنهما مذلة، و"الأرض بتتعوضش". وعندما سئل أحد اللاجئين عن الارض أجاب بأن الأرض مثل العرض، ولكنه هرب من القبية (عام1948) بعرضه لأن "الأرض لا تـُسرق ويمكن استعادتها حتى لو اغتصبت، أما العرض فلا". وتتذكر لاجئة بأن أهالي زرعين لم يقبلوا أن يبيع أحدهم دونماً واحدا. وتتذكر أنه عندما عرض أحدهم على آخر بيع أرضه حصلت "ملحمة بالنبّوت" (أي معركة دموية بالعصي الكبيرة). وترى لاجئة أخرى أن من يبيع أرضه إنما يبيع عرضه ودينه معاً. ويتذكر احدُ سكان قرية الجديدة – قضاء جنين، انه في عام 1946،وكان عمره عشر سنوات،اضطر اهله لبيع قطعة ارض لاحد سكان القرية، وكان ابن الشاري صديقه . وفي العام التالي زرعها المالك الجديد "مقثاة" (اي بندورة وبطيخ و فقوس وخيار ...)، و صدف ذات يوم ان ذهب مع صديقه الى قطعة الارض تلك فاكل من قثّائها . وعندما عاد ابلغ اهله بما كان، فاستشاطت امه غضبا، وضربه أبوه صائحا: الا تعلم ايها الاهبل ان الارض كالعِرض ؟! واضطرارنا لبيعها لا يعني قبولنا ان يمتلكها آخرون لدرجة ان نذهب معهم اليها ويستضيفونا فيها!!
فوجئ الطفل بالموقف، فقال لهم باكيا : هذه اختي، اليست عِرضنا ؟! وزوجتموها لغريب، و نذهب لزيارتها كل يوم ويستضيفنا زوجها !!
ضحك الوالدان، و اسموه منذئذ "الفليسوف"، وصار ذلك له لقبا(القلقيلي 2004، 21).
1-1- الثقافة الفلسطينية:
قد يكون هنالك سياسة قطرية او اقتصاد قطري، او أدب قطري، ولكنه من الصعب ان يكون هنالك ثقافة عربية قطرية. اما قطر فلسطين فذو خصوصية غير نابعة من طبيعة فلسطين واهلها او من طبيعة مناخها، بل من طبيعة كونها في مواجهة عدو عنصري إحلالي طردي في فضاءات السياسة والاقتصاد والثقافة. ولذلك فان الثقافة الفلسطينية أخذت بالتبلور منذ مطلع القرن العشرين، واكتسبت خصوصيتها من موقع حارس الارض والمقاوم، ولكنها لم تكن الا نَسَغا حيويا من جذور الثقافة العربية.
وان الثقافة الفلسطينية وحدة واحدة في فلسطين والشتات، وفي ذات الوقت تراعي الخصوصية المكانية باعتبارها ضمانة للحفاظ على الشخصية الوطنية التي ما زالت تكابد وتتحدى وتقدم الاجوبة اليومية لأسئلة الحاضر والمستقبل في مواجهة المشروع الصهيوني القائم على الاحتلال والاحلال والتذويب والإبادة .
الهوية الثقافية، باعتبارها المعرّف الحضاري، وباعتبارها المعيارية السلوكية للافراد والجماعات، تتعرض لهجمات شرسة ومبرمجة لتشويهها وتذويبها وتحويل مرجعياتها بما يخدم عولمة آخذة بالتوحّش. والقوة الغاشمة المحتلة تعمل على حفر مقولاتها بالحديد والنار؛ وسؤال الهوية الثقافية المترافق مع الضعف السياسي والحضاري قد يدفع الى ذروتين مرَضيتين هما التطرف او الاستسلام. ولان الفضيلة (كما يقول الفلاسفة) تقع بين رذيلتين هما الافراط و التفريط، فلا بد من مواصلة الاضائة والتنوير على المسألة الثقافية.
1-2- مفهوم الارض عند الفلسطينيين:
في اللهجة الفلسطينية يأتي مصطلح الأرض أو "الوطاة" ليعني المعنى العام والخاص، أي الأرض كاسم جنس وكملكية، سواء كانت خاصة أو مشاع للأسرة أو القبيلة أو القرية، وكان العديد من الفلسطينيين، كأخوتهم في سوريا الكبرى، يتهرّبون من تسجيل الأرض باسمهم في الطابو العثماني ليتفادوا دفع الضرائب الباهظة التي لا قِبَل لهم بها. ولذلك بقيت مساحات شاسعة في فلسطين مشاعاً أو مسجلة باسم "مقطعجية" أو"ملتزمين" يقيمون في المدن الفلسطينية أو في بيروت أو دمشق، واكتفى أصحابها بحق الاستعمال.
ورغم ضعف السيكلوجيا الفردية بتملك الأرض آنذاك، فإن الذاكرة الشعبية الفلسطينية تحمل قداسة خاصة للأرض، وكأن الجاحظ قصدهم عندما قال "حب الوطن طبع في الناس"؛ فهم يعتقدون أن أرض فلسطين مقدسة لسببين: الأول لأن الله باركها دون غيرها فجعلها مهبط الرسل جميعاً ومسرى آخرهم (محمد صلى الله عليه وسلم) ومعراجه، فهي بوابة الأرض إلى السماء. والثاني لأنها مجبولة التربة بدم الشهداء المدافعين عنها (تاريخياً) ضد الغزاة منذ العبرانيين قبل الميلاد وحتى الإسرائيليين قبل أيام، ويعتقد الريفيون منهم أن ذلك هو سبب احمرار تربتها المسمّاة "سَمَكَة".
ومنذ بداية الهجرة الاستيطانية اليهودية في فلسطين تطور لدى الفلسطينيين مفهوم الارض فصارت ثلاثية الابعاد: جغرافي واقتصادي واجتماعي، ونما التمسكُ بأرضهم الخاصة وتقديسها، وشيئاً فشيئاً صاروا ينظرون لها كجزء من شرفهم، وأصبح التخلي عنها معيباً، وتداولوا مقولة، سرعان ما أصبحت من المقولات العامة جداً: "الأرض كالعرض"، تدنيسهما عار، والتخلي عنهما مذلة، و"الأرض بتتعوضش". وعندما سئل أحد اللاجئين عن الارض أجاب بأن الأرض مثل العرض، ولكنه هرب من القبية (عام1948) بعرضه لأن "الأرض لا تـُسرق ويمكن استعادتها حتى لو اغتصبت، أما العرض فلا". وتتذكر لاجئة بأن أهالي زرعين لم يقبلوا أن يبيع أحدهم دونماً واحدا. وتتذكر أنه عندما عرض أحدهم على آخر بيع أرضه حصلت "ملحمة بالنبّوت" (أي معركة دموية بالعصي الكبيرة). وترى لاجئة أخرى أن من يبيع أرضه إنما يبيع عرضه ودينه معاً. ويتذكر احدُ سكان قرية الجديدة – قضاء جنين، انه في عام 1946،وكان عمره عشر سنوات،اضطر اهله لبيع قطعة ارض لاحد سكان القرية، وكان ابن الشاري صديقه . وفي العام التالي زرعها المالك الجديد "مقثاة" (اي بندورة وبطيخ و فقوس وخيار ...)، و صدف ذات يوم ان ذهب مع صديقه الى قطعة الارض تلك فاكل من قثّائها . وعندما عاد ابلغ اهله بما كان، فاستشاطت امه غضبا، وضربه أبوه صائحا: الا تعلم ايها الاهبل ان الارض كالعِرض ؟! واضطرارنا لبيعها لا يعني قبولنا ان يمتلكها آخرون لدرجة ان نذهب معهم اليها ويستضيفونا فيها!!
فوجئ الطفل بالموقف، فقال لهم باكيا : هذه اختي، اليست عِرضنا ؟! وزوجتموها لغريب، و نذهب لزيارتها كل يوم ويستضيفنا زوجها !!
ضحك الوالدان، و اسموه منذئذ "الفليسوف"، وصار ذلك له لقبا(القلقيلي 2004، 21).
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر