رحلة تاريخية
* غطّى الإنسان رأسه اتقاء لعوامل الطبيعة القاسية منذ فجر التاريخ واتخذ غطاء الرأس عند الجنسين أشكالاً متنوعة وفق واقع البيئة، وتطور العادات والتقاليد. ولعل «العمامة» ـ أو «العِمّة» ـ من أشهر أغطية الرأس المعروفة في العالم، منذ اكتشف الإنسان القماش واستخدمه لملبسه.لكن من حيث المنشأ الجغرافي، ترجع غالبية المراجع التاريخية الأصل المشرقي لما يُعرف اليوم عند العرب والمسلمين بـ «العمامة». فحتى في اللغة الإنجليزية التي ترجمت إليها كلمة عمامة إلى «توربان» Turban.
فإن الكلمة المترجمة ذاتها (أي «توربان») مقتبسة من كلمة «دلبنت» Dulband الفارسية التي حرّفت منها كلمة «تولبنت» Tulbent التركية، ومن تركيا انتقلت إلى أوروبا والغرب فحرّفت مجدداً إلى «توربان».وكانت إحدى أقدم الإشارات إلى اغطية الرأس قد ظهرت في كتابات الفيدا الهندية القديمة التي أطلقت عليها مسمى «أوسنيسا».
وفي ما بعد اعتمد قدماء الفرس عادة لف القماش على طنطور كبير مخروطي الشكل، كما اعتمدت في العصر الإسلامي عادة اللف على الطربوش أو القلنسوة في مناطق عدة من مناطق الشرق الأوسط وشمال افريقيا ووسط آسيا. واختلفت أشكال اللفات والعمائم من منطقة إلى منطقة تبعاً لاختلاف الظروف البيئية، لا سيما المناخية منها.
ويقال إن العرب أطلقوا اسم «العمامة» (بكسر العين)، عليها، لأنها تعمّ جميع الرأس بالتغطية.
وفي العالم الإسلامي المترامي الأطراف، بما فيه من أقاليم صحراوية وحارة المناخ أو جبلية باردة، كان لا بد أن يصبح استخدام أغطية الرأس، بمختلف أشكالها وألوانها، مسألة حيوية.
فقد ألّف الأئمة في العمامة رسائل كثيرة منها: «تحفة الأمة بأحكام العمة»، و«صوب الغمامة في إرسال طرف العمامة»، و«درر الغمامة في در الطليسان والعذبة والعمامة»، و«جزء في العمامة النبوية»، و«أزهار الكمامة في أخبار العمامة».
في العالم الإسلامي اختلفت صفات العمامة وأسماؤها، فبينما أسماها العرب «عمامة» أو «عِمّة»، أطلق عليها الإيرانيون اسم «دستار»، وأبناء شبه القارة الهندية اسم «سافا»، بجانب مسميات محلية لأشكال متعددة منها. بمرور الوقت وتطور الحياة السياسية والاجتماعية، ومع تتابع الدول والنخب الحاكمة، اكتسبت صفات معينة من العمائم دلالات خاصة.
وقد تحولت في بعض المجتمعات العربية والإسلامية إلى زي رأس محصور بشيوخ الدين أو العلماء، في حين اتجه العامة إلى اعتمار الكوفية والعقال (الغترة والشماغ)، أو السدارة أو الطربوش التركي أو الطربوش المغربي.
وعلى صعيد لون العمامة، شاعت في مختلف أنحاء العالم الإسلامي العمائم البيضاء للعامة وشيوخ الدين، بينما أخذت العمائم السوداء والخضراء ترمز الى المنتسبين إلى آل البيت، مع العلم أن العمائم السوداء شائعة في مناطق أخرى، مثل أفغانستان من دون ادعاء الصلة النبوية.
كما ان ثمة عمائم ذات لفة خاصة مألوفة في أماكن بذاتها، كالعمامة المزركشة في سلطنة عُمان، والعمائم المختلفة الألوان التي تستحيل في لفتها إلى لثام كحال عمائم الطوارق في الصحراء الكبرى بشمال افريقيا.
ولا ينحصر الاختلاف بين العمائم في الشكل أو اللون، بل يشمل أيضاً الحجم، ولعل أكبر العمائم تلك التي ظهرت في أيام السلطنة العثمانية، قبل أن يهجرها الأتراك لصالح الطربوش في النصف الثاني من القرن الميلادي التاسع عشر. أيضاً صار للعمامة رمزية خاصة في العديد من المجتمعات العربية والمسلمة.
ففي العراق مثلاً، للعمامة، وكذلك للعقال، حظّ متميز في معايير الشرف لدى العراقيين، سُنّة وشيعة، عرباً وكرداً. وبالتالي فإن سقوط العقال أو العمامة عن رأس من يعتمرهما يلحق به عيبا كبيرا، يبعث في نفس الشريف منهم الغضب والألم.
لذلك تقضي أعراف القبائل والعشائر العراقية وتقاليدها بفرض عقوبة قاسية تصل أحياناً إلى حد القتل، أو فرض غرامات باهظة، على من يتعمد إسقاط عمامة أو عقال من على رأس آخر، بحيث تكون هذه العقوبة رادعاً، مع إلزام المعتدي برد الاعتبار لصاحب الحق على الملأ صوناً لكرامته التي أهينت.
رمزية العمامة للشرف والرجولة تشكل عنصراً أساسياً أيضاً من حياة السيخ. فالعمامة السيخية ـ التي تسمى «دستار» ـ فرض واجب على كل بالغ، وهي تلعب دوراً مباشراً في تغطية شعره المحظور عليه قصه. أيضاً ثمة عمائم أخرى مألوفة في الهند، أشهرها العمائم الراجستانية، نسبة لولاية راجستان والمناطق المحيطة بها في شمال غربي البلاد.
وهذه العمائم المتنوعة الأشكال والأحجام يدعوها الراجستانيون «باغ» أو «سافا». ثم هناك عمائم إقليمي ميسور وكوداغو، في ولاية كارناتاكا بجنوب الهند، ويدعوها أصحابها الـ «بيتا» الميسورية وهي تلبس في المناسبات الخاصة كحفلات الزفاف.
وفي السودان، تعتبر جزءاً من الزي التقليدي. فالسودانيون يشتهرون بارتدائها بيضاء وتسمى باللهجة العامية «العِمّة» (بكسر العين)، ويتراوح طولها ما بين 4 و5 أمتار ويكون ارتداؤها بلفها كلها حول الرأس بعد وضع الطاقية (القلنسوة أو العرقية) عليه.
ويرى المؤرخون أن العمامة، التي تشتهر بصورة خاصة في شمال السودان ووسطه، دخلت البلاد مع بدء الهجرات العربية قبل نحو ألف سنة، وتطورت حتى تتلاءم مع مناخ السودان الحار لحماية الرأس من الشمس الحارقة، ولقد اشتهرت في الماضي الطاقية ذات اللون البرتقالي الفاقع اللون، إلا أن السائد الآن هو الأبيض، إلى جانب اللون الأخضر بالنسبة الى الصوفيين.وفوق الطاقية تلف العمامة حول الرأس، غالبا بطريقة غير منتظمة. المطلوب ممن يلفها أن يمسك بطرفها الأول بيده اليسرى ويثبته ويستمر فى لفها حول رأسه الى أن تنتهي بحشر طرفها الأخير فى الوسط.
الطريف انه يمكن الآن التعرف على الانتماء السياسي للمواطن السوداني من طريقة لبسه العمامة. فأعضاء حزب الأمة المعروفون بالأنصار، وهو الحزب الذي يترأسه السيد الصادق المهدي، يلفون العمة بشدة حول الرأس وبشكل مثلث من الأمام على الجبهة، ويتركون ذيلها يتدلى خلف الرأس.
بينما تتميز عمامة زعيم الحزب الاتحادي علي الميرغني، بكونها تشبه عمائم رجال الأزهر، إذ تلف حول الرأس مرة واحدة.
___________________________________________
* غطّى الإنسان رأسه اتقاء لعوامل الطبيعة القاسية منذ فجر التاريخ واتخذ غطاء الرأس عند الجنسين أشكالاً متنوعة وفق واقع البيئة، وتطور العادات والتقاليد. ولعل «العمامة» ـ أو «العِمّة» ـ من أشهر أغطية الرأس المعروفة في العالم، منذ اكتشف الإنسان القماش واستخدمه لملبسه.لكن من حيث المنشأ الجغرافي، ترجع غالبية المراجع التاريخية الأصل المشرقي لما يُعرف اليوم عند العرب والمسلمين بـ «العمامة». فحتى في اللغة الإنجليزية التي ترجمت إليها كلمة عمامة إلى «توربان» Turban.
فإن الكلمة المترجمة ذاتها (أي «توربان») مقتبسة من كلمة «دلبنت» Dulband الفارسية التي حرّفت منها كلمة «تولبنت» Tulbent التركية، ومن تركيا انتقلت إلى أوروبا والغرب فحرّفت مجدداً إلى «توربان».وكانت إحدى أقدم الإشارات إلى اغطية الرأس قد ظهرت في كتابات الفيدا الهندية القديمة التي أطلقت عليها مسمى «أوسنيسا».
وفي ما بعد اعتمد قدماء الفرس عادة لف القماش على طنطور كبير مخروطي الشكل، كما اعتمدت في العصر الإسلامي عادة اللف على الطربوش أو القلنسوة في مناطق عدة من مناطق الشرق الأوسط وشمال افريقيا ووسط آسيا. واختلفت أشكال اللفات والعمائم من منطقة إلى منطقة تبعاً لاختلاف الظروف البيئية، لا سيما المناخية منها.
ويقال إن العرب أطلقوا اسم «العمامة» (بكسر العين)، عليها، لأنها تعمّ جميع الرأس بالتغطية.
وفي العالم الإسلامي المترامي الأطراف، بما فيه من أقاليم صحراوية وحارة المناخ أو جبلية باردة، كان لا بد أن يصبح استخدام أغطية الرأس، بمختلف أشكالها وألوانها، مسألة حيوية.
فقد ألّف الأئمة في العمامة رسائل كثيرة منها: «تحفة الأمة بأحكام العمة»، و«صوب الغمامة في إرسال طرف العمامة»، و«درر الغمامة في در الطليسان والعذبة والعمامة»، و«جزء في العمامة النبوية»، و«أزهار الكمامة في أخبار العمامة».
في العالم الإسلامي اختلفت صفات العمامة وأسماؤها، فبينما أسماها العرب «عمامة» أو «عِمّة»، أطلق عليها الإيرانيون اسم «دستار»، وأبناء شبه القارة الهندية اسم «سافا»، بجانب مسميات محلية لأشكال متعددة منها. بمرور الوقت وتطور الحياة السياسية والاجتماعية، ومع تتابع الدول والنخب الحاكمة، اكتسبت صفات معينة من العمائم دلالات خاصة.
وقد تحولت في بعض المجتمعات العربية والإسلامية إلى زي رأس محصور بشيوخ الدين أو العلماء، في حين اتجه العامة إلى اعتمار الكوفية والعقال (الغترة والشماغ)، أو السدارة أو الطربوش التركي أو الطربوش المغربي.
وعلى صعيد لون العمامة، شاعت في مختلف أنحاء العالم الإسلامي العمائم البيضاء للعامة وشيوخ الدين، بينما أخذت العمائم السوداء والخضراء ترمز الى المنتسبين إلى آل البيت، مع العلم أن العمائم السوداء شائعة في مناطق أخرى، مثل أفغانستان من دون ادعاء الصلة النبوية.
كما ان ثمة عمائم ذات لفة خاصة مألوفة في أماكن بذاتها، كالعمامة المزركشة في سلطنة عُمان، والعمائم المختلفة الألوان التي تستحيل في لفتها إلى لثام كحال عمائم الطوارق في الصحراء الكبرى بشمال افريقيا.
ولا ينحصر الاختلاف بين العمائم في الشكل أو اللون، بل يشمل أيضاً الحجم، ولعل أكبر العمائم تلك التي ظهرت في أيام السلطنة العثمانية، قبل أن يهجرها الأتراك لصالح الطربوش في النصف الثاني من القرن الميلادي التاسع عشر. أيضاً صار للعمامة رمزية خاصة في العديد من المجتمعات العربية والمسلمة.
ففي العراق مثلاً، للعمامة، وكذلك للعقال، حظّ متميز في معايير الشرف لدى العراقيين، سُنّة وشيعة، عرباً وكرداً. وبالتالي فإن سقوط العقال أو العمامة عن رأس من يعتمرهما يلحق به عيبا كبيرا، يبعث في نفس الشريف منهم الغضب والألم.
لذلك تقضي أعراف القبائل والعشائر العراقية وتقاليدها بفرض عقوبة قاسية تصل أحياناً إلى حد القتل، أو فرض غرامات باهظة، على من يتعمد إسقاط عمامة أو عقال من على رأس آخر، بحيث تكون هذه العقوبة رادعاً، مع إلزام المعتدي برد الاعتبار لصاحب الحق على الملأ صوناً لكرامته التي أهينت.
رمزية العمامة للشرف والرجولة تشكل عنصراً أساسياً أيضاً من حياة السيخ. فالعمامة السيخية ـ التي تسمى «دستار» ـ فرض واجب على كل بالغ، وهي تلعب دوراً مباشراً في تغطية شعره المحظور عليه قصه. أيضاً ثمة عمائم أخرى مألوفة في الهند، أشهرها العمائم الراجستانية، نسبة لولاية راجستان والمناطق المحيطة بها في شمال غربي البلاد.
وهذه العمائم المتنوعة الأشكال والأحجام يدعوها الراجستانيون «باغ» أو «سافا». ثم هناك عمائم إقليمي ميسور وكوداغو، في ولاية كارناتاكا بجنوب الهند، ويدعوها أصحابها الـ «بيتا» الميسورية وهي تلبس في المناسبات الخاصة كحفلات الزفاف.
وفي السودان، تعتبر جزءاً من الزي التقليدي. فالسودانيون يشتهرون بارتدائها بيضاء وتسمى باللهجة العامية «العِمّة» (بكسر العين)، ويتراوح طولها ما بين 4 و5 أمتار ويكون ارتداؤها بلفها كلها حول الرأس بعد وضع الطاقية (القلنسوة أو العرقية) عليه.
ويرى المؤرخون أن العمامة، التي تشتهر بصورة خاصة في شمال السودان ووسطه، دخلت البلاد مع بدء الهجرات العربية قبل نحو ألف سنة، وتطورت حتى تتلاءم مع مناخ السودان الحار لحماية الرأس من الشمس الحارقة، ولقد اشتهرت في الماضي الطاقية ذات اللون البرتقالي الفاقع اللون، إلا أن السائد الآن هو الأبيض، إلى جانب اللون الأخضر بالنسبة الى الصوفيين.وفوق الطاقية تلف العمامة حول الرأس، غالبا بطريقة غير منتظمة. المطلوب ممن يلفها أن يمسك بطرفها الأول بيده اليسرى ويثبته ويستمر فى لفها حول رأسه الى أن تنتهي بحشر طرفها الأخير فى الوسط.
الطريف انه يمكن الآن التعرف على الانتماء السياسي للمواطن السوداني من طريقة لبسه العمامة. فأعضاء حزب الأمة المعروفون بالأنصار، وهو الحزب الذي يترأسه السيد الصادق المهدي، يلفون العمة بشدة حول الرأس وبشكل مثلث من الأمام على الجبهة، ويتركون ذيلها يتدلى خلف الرأس.
بينما تتميز عمامة زعيم الحزب الاتحادي علي الميرغني، بكونها تشبه عمائم رجال الأزهر، إذ تلف حول الرأس مرة واحدة.
___________________________________________
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر