(*) إن السمة الغالبة على موقف المؤسسة الإسرائيلية إزاء العرب الآن هي أنهم "خطر أمني" أو "عدو داخلي". وهي سمة متأثرة، إلى حدّ بعيد، بالموقف الإسرائيلي التقليدي، غير أنها شهدت تصعيدًا يثقب العين على مدار الأعوام التسعة الفائتة. (*) تعتبر هبة أكتوبر 2000 مفترقًا مهمًا، فقد عُدّت إسرائيليًا امتدادًا للانتفاضة الفلسطينية (انتفاضة القدس والأقصى). والعودة إلى النصوص الإسرائيلية المتعلقة بتلك الفترة تؤكد هذا الأمر بوضوح وجلاء كبيرين: - دلالات تأليف لجنة أور واستنتاجاتها، والتعامل الإسرائيلي الانتقائي مع هذه الاستنتاجات [لجنة لبيد والخدمة المدنية]؛ - في سنة 2000 تأسس، كما هو معروف، "مؤتمر هرتسليا حول ميزان المناعة والأمن القومي"، والذي يناقش سنويًا "الموضوعات الساخنة" التي "تقلق إسرائيل"، ويصوغ التحديات المقبلة في المدى القريب والمدى البعيد. ومنذ أول مؤتمر في سنة 2000 فإن موضوع العرب في الداخل يقف في صلب هذه الموضوعات. (*) لا بُدّ من ملاحظة أن هناك تركيزًا على مساهمة الخطاب القومي [خطاب التجمع] في رفع سقف مطالب العرب في الداخل. (*) ثمة مفترقات مهمة أخرى تلت هبة أكتوبر 2000: - حرب تموز 2006 ضد المقاومة اللبنانية؛ - وثائق الرؤى المستقبلية خلال سنتي 2006- 2007؛ - الحرب على غزة سنة 2008؛ - الانتخابات البرلمانية سنة 2009. (*) تعتمد هذه المقاربة على حقيقة أن كل شيء في إسرائيل خاضع، أولاً ودائمًا، إلى مفهوم الأمن أو نظرية الأمن الإسرائيلية. إن سياسة الأمن الإسرائيلية تقوم على قاعدة أن في الوسع تحقيق "أمن إسرائيل" من خلال تفوقها العسكري فقط. ومن شأن هذا التفوق أن يفضي إلى نتيجتين متصلتين: الأولى- ردع العرب من القيام بأعمال عسكرية؛ الثانية- في حال عدم ارتداعهم يكون في إمكان إسرائيل، من خلال الاعتماد على تفوقها العسكري، أن تحرز نصرًا كاسحًا يشحن في الوقت نفسه بطاريات الردع. بحسب هذه السياسة الأمنية فإن "أمن إسرائيل" يرتكز إلى مدماك القوة فقط. وما عدا ذلك كله يبقى عديم الأهمية، والحديث عنه لا يعدو كونه ضريبة كلامية لا أكثـر. يرى د. أوري بن يوسيف، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة حيفا، أنه في حزيران 1956 قدم وزير الخارجية الإسرائيلية في ذلك الوقت، موشيه شاريت، استقالته من منصبه، بعد أن اضطره رئيس الحكومة دافيد بن غوريون إلى ذلك. وكان شاريت المسؤول الوحيد في القيادة الإسرائيلية آنذاك، الذي اعتقد بأن سياسة الأمن الإسرائيلية يجب أن تقوم على رجلين: واحدة عسكرية وأخرى سياسية. ومنذ ذلك الوقت أضحت هذه السياسة مرهونة بالقوة فقط. وقد قامت نظرية الأمن الإسرائيلية على ثلاث أرجل: الردع؛ الإنذار؛ الحسم. ولم يكن هناك اهتمام كبير بـ "الجبهة الإسرائيلية الداخلية"، باعتبار أن الحروب تدور في جبهات القتال. وقد بدأ الاهتمام بهذه الجبهة منذ حرب الخليج الأولى في سنة 1991، وذلك عقب إطلاق صواريخ سكود العراقية على العمق الإسرائيلي، وأنشئت قيادة عسكرية خاصة لهذا العمق. لكن الوزن الأكبر بقي من نصيب الردع. وعقب حرب تموز 2006 أضيفت رجل رابعة هي الدفاع [بحسب توصيات لجنة مريدور]. وفحواها في الظاهر "تحصين الجبهة الداخلية". وهي تشمل العرب في الداخل، لا بمفهوم تحصينهم وإنما أكثر بمفهوم التحصن منهم. وقد انطوت المناورات العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على إشارات واضحة وصريحة إلى ذلك. بناء على ذلك أرى وجوب تعقب مستجدات موقف المؤسسة الإسرائيلية من العرب في الداخل في نطاق مستجدات نظرية الأمن الإسرائيلية. (*) دلالات "الحملة" على المحكمة العليا. (*) إن الموقف الإسرائيلي المستجد من العرب في الداخل يحتكم إلى "النظرية الأمنية" وإلى "برنامج المؤسسة الأمنية"، غير أنه يستمد القوة و"الشرعية" من "الإجماع الإسرائيلي" الذي لا يخضع الحقوق الجمعية الفلسطينية إلى أي مساءلة أخلاقية. (*) كما أن هذا الموقف يستمد التشجيع من مستجدات مواقف عربية إقليمية [الهجوم الضاري على حزب الله و"حماس" وعلى مواقف المقاومة والممانعة] تتذرع بحدوث "تغييرات جوهرية" في سياسة الولايات المتحدة. |
(*) مستجدات ما بعد حرب تموز 2006 ومبادرات الرؤى المستقبلية والحرب على غزة: |
نشوء حالة جلية من التعبئة العامة للمؤسسة الإسرائيلية، السياسية والأمنية، والأكاديمية والإعلامية، للوقوف في شبه إجماع في صفّ معارضة التحركات القومية ومحاربتها، والإلحاح الشديد على الدعوة إلى الخوض في ملف الفلسطينيين في إسرائيل، بعد أن اعتبرته بالمطلق ملفًا شديد الإشكالية والخطورة، ويستدعي "علاجًا فائقًا وحاسمًا". وقد بدأت التعبئة العامة برئيس الحكومة نفسه [إيهود أولمرت]، والوزراء وأعضاء الكنيست، لتنتهي بـ "جيش الخبراء" في "الشؤون العربية"، وكبار المعلقين والمحللين السياسيين والصحافيين وصغارهم، مرورًا بمعاهد الدراسات والأبحاث والتخطيط السياسي على اختلاف أهوائها ومشاربها. حالة التعبئة العامة هذه لم تظل منحصرة في نطاق التعبير عن المواقف النظرية أو التأليبية أو الريبية، وإنما انتقلت إلى مستوى الممارسة التطبيقية. ويكاد المنطلق الرئيس لها يتمثل في اعتبار أنّ المبادرات بشأن المستقبل قد أتت لتكرّس مرحلة أكثر تقدمًا في معركة الفلسطينيين في وطنهم الأصلي من أجل حقوقهم القومية والمدنية، لناحية الطعن في طابع إسرائيل ["الدولة اليهودية"] والمطالبة بتغييره، بوصف ذلك شرطًا لا استغناء عنه لتحقيق المساواة في حقوق المواطنة على الأقل. وعلى ضوء ذلك فإن أول ما يمكن ملاحظته هو أنّ ردّات الفعل الإسرائيلية قد طورت خطابًا مفرطًا في الدعوة إلى الفصل التامّ بين مطلب مساواة المواطنين العرب، ومطلب تغيير الطابع اليهودي لإسرائيل، على قاعدة عدم رفض المطلب الأول، ورفض المطلب الثاني جملة وتفصيلاً. ولقد شهدت الأعوام القليلة الفائتة تحركات ملحوظًة للمؤسسة السياسية الإسرائيلية ردًا على ذلك كله. وتتخذ هذه التحركات، بالأساس، منحيين متوازيين: الأول منحى ترهيبي، والثاني منحى احتوائي. (*) بلغت ذروة المنحى الترهيبي في ما يمكن اعتباره تحركًا علنيًا، غير مسبوق، لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك). ففي آذار 2007 عقد رئيس الحكومة الإسرائيلية، أولمرت، "اجتماعًا أمنيًا" مع مسؤولين في الشاباك وبينهم رئيسه، يوفال ديسكين، تم تخصيصه لبحث وضع العرب في إسرائيل. ووفقا لما أفادت به صحيفة "معاريف"، فقد اعتبر هؤلاء المسؤولون في هذا الاجتماع أن المواطنين العرب في إسرائيل يشكلون "الخطر الإستراتيجي على المدى البعيد" من ناحية إسرائيل. وقد تمّ "إسناد" ذلك ببضعة ادعاءات مكرورة، منها أن التكاثر الطبيعي للعرب يهدّد الطابع اليهودي لإسرائيل. أكثر من هذا، أبدى المسؤولون تحسبهم من مبادرات الرؤى المستقبلية، وتبين من المداولات أن الشاباك ينظر بارتياب إلى هذه المشاريع لكونها تطالب بأن تكون إسرائيل دولة جميع مواطنيها. كذلك أعرب الشاباك عن "قلقه" مما وصفه بـ "تماثل العرب في إسرائيل وتعاطفهم مع الفلسطينيين" وأيضا من "تماثلهم مع حزب الله". غير أنّ ما جعل هذه الجبهة أكثر سخونة، تمثل في ردّ لجهاز الشاباك يدعو، جهارًا، إلى إحباط كل موقف أو نشاط "يهدّد يهودية الدولة"، حتى لو كان هذا النشاط بـ "وسائل قانونية". وقد جاء ردّ الشاباك هذا في تعقيب لصحيفة "فصل المقال" العربية الأسبوعية بعد أن قام رئيس تحريرها باستمزاج رأي مكتب رئيس الحكومة حول ما ورد في صحيفة "معاريف" أعلاه. وقال يوفال ديسكين "إن جهاز الشاباك مخوّل بالعمل على صيانة وحماية مبادئ الدولة الأساسية الديمقراطية واليهودية، ومخوّل بالتجسس والتنصت على كل شخص أو مؤسسة مشتبهين بالعمل على تغيير طابع الدولة حتى لو كانت وسائل عملهما ديمقراطية". وتصاعد هذا المنحى في ما بات يعرف باسم "قضية النائب عزمي بشارة"، والتي كان في صلبها "فتح ملف أمني وجنائي ضده"، أدّى، من ضمن أشياء أخرى، إلى نفيه من البلاد. وقد ترافقت هذه القضية مع حملة تحريض رسمية وإعلامية على بشارة بلغت حدّ شيطنته، ومع هجوم على تياره السياسي- التجمع الوطني الديمقراطي- وعلى العمل السياسي الفلسطيني في الداخل برمته. ومن اللافت للنظر أن أحد محللي الشؤون العسكرية ربط بين هذه القضية، وبين تراجع قوة الردع الإسرائيلية، بتأثير نتائج حرب لبنان الثانية. ورأى محرر صفحة الرأي في صحيفة "معاريف" أنه في نظر الكثير من الإسرائيليين "ثمة تماه بين بشارة والعرب في إسرائيل. وهذه هي المأساة الكبرى. وإذا كان الكثير من الإسرائيليين يتبنون مواقف ضد عرب إسرائيل فإن بشارة هو أحد الأسباب الرئيسة الواقفة خلف ذلك". ولم تقتصر الحملة على محللي الشؤون العسكرية والأمنية، ولا على حملة الأفكار اليمينية المناهضة لحقوق العرب ووجودهم، بل شملت قوى "اليسار الصهيوني". فقد اعتبر المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس"، عوزي بنزيمان، المحسوب على هذا "اليسار"، مثلاً، أنّ حالة عضو الكنيست عزمي بشارة تجسّد مفترق الطرق، الذي وصلت إليه العلاقات بين اليهود والعرب داخل الخط الأخضر، مشيرًا إلى أنّ نقطة التحوّل هي مبادرات الرؤى المستقبلية الصادرة عن المنظمات المركزية للجمهور العربي. فهذه المبادرات تعارض الطابع الحالي لدولة إسرائيل ومبنى نظامها وهويتها الصهيونية. وعمليًا فإنها تضع "البنية التحتية لانتفاضة العرب في إسرائيل ضد دولتهم". إن ما يتعين ملاحظته هو أن هذه الحملة انطلقت، أكثر شيء، من وعي سياسي يهدّد الحاضر والمستقبل برؤية أمنية ضيقة الأفق، ويضع الشاباك، عيانًا بيانًا، فوق القانون، عندما يكون الأمر متعلقًا بالمواطنين الفلسطينيين. وفي رأي عضو الكنيست والوزيرة السابقة شولاميت ألوني فإن الشاباك نطق بأحد أخطر الأقوال، التي يمكن إطلاقها في مجتمع ديمقراطي، عندما أعلن أنه سيعالج أمر المواطنين العرب حتى إذا سعوا لإجراء تغييرات في الدولة بموجب القانون. وفي الوقت نفسه ينبغي ملاحظة أن مثل هذه الحملات "الأمنية" عادة ما تحظى برأي عام يهودي يتجاوب معها، إلا فيما ندر. |
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر