منذ مدة طويلة تتعرض المجتمعات والثقافة العربية، شأنها شأن سائر المجتمعات النامية وثقافاتها، لغزو فكري غربي، ويقع تأثير غربي قوي على الدول والشعوب العربية. ويُعَرَّف المجتمع بأنه سكان منظمون لأداء وظائف الحياة الرئيسية. وثقافة المجتمع تتكون من كل الطرق التي بها يفكر أعضاؤه حول مجتمعهم ويتواصلون بشأنه فيما بين أنفسهم. يمكن أن تُعَرّف الثقافة بأنها "كل طرق التفكير والسلوك والإنتاج التي تُورث من جيل إلى الجيل التالي بواسطة التفاعل التواصلي – أي عن طريق الكلام والإيماءات والكتابة والبناء وكل ]أنواع[ الاتصال الأخرى بين البشر – وليس عن طريق النقل الوراثي، أو الوراثة".
يبيّن ذلك التعريف أن ثقافة الشعب مسمدة من الفضاء الاجتماعي والفكري والقِيَمي والتاريخي والنفسي والجغرافي لذلك الشعب. ويقبل كثير من العرب قسما كبيرا من الأفكار الغربية بسمينها وغثها وبتحاملها وموضوعيتها في آن واحد والممارسات الغربية بجوانبها الإيجابية والسلبية. ولقسم من هذه الأفكار أصول أيديولوجية لا تتفق بالضرورة مع الرؤية الاجتماعية والقيمية والخُلقية للشعوب العربية.
وفي مواجهة هذا الغزو الفكري للثقافة العربية دور بالغ الأهمية، وخصوصا بعد أن أصاب الضعف عددا من مقومات المنعة القومية من قبيل المؤسسات السياسية والاجتماعية وقويت تبعية العرب الاقتصادية. وهناك حالة تبعية عربية حضارية وفكرية للغرب. العرب يستوردون أنظمة الغرب ومنتجاته. ولكنهم لم يتعلموا أو لم يطبقوا المنهج العلمي الذي أنتج هذه النظم والمنتجات. ودب الوهن في نفوس قسم من العرب، واستشرى الفساد وتعززت المغالاة في النزعة الاستهلاكية. وعلى الرغم من ذلك لا تزال جوانب فكرية وقيمية وتراثية عربية صامدة في وجه هذا الغزو.
وفي صفوف العرب توق إلى تحقيق التقدم الاجتماعي والإقتصادي والسياسي والتكنولوجي. ولهذا التوق أسباب منها حافز التقدم الذي يوجده الموروث الحضاري العربي العظيم، وإدراك أن من الضروري إحراز التقدم من أجل المحافظة على الوجود العربي المادي والحضاري وتحقيق الرفاهة الإقتصادية والأمن الاجتماعي.
غير أنه تقوم عوامل قوية تمنع أو تؤخر تحقيق العرب لهذا التقدم. وسنقوم بإبداء ملاحظات حول بعض هذه العوامل في هذا المقال.
يعاني العرب – شأنهم شأن شعوب نامية أخرى – من مشاكل عويصة كثيرة على مختلف الصعد. ومن تجليات هذه المشاكل الفقر والأمية والمرض وتزايد التدهور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والقيمي وتردي وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي والقانوني والتبعية العربية الاقتصادية والمالية والصناعية للغرب وغياب الفعالية في مواجهة مشاريع السيطرة الأجنبية والضعف الذي يعتور حركات التكامل والتوحيد العربية والتحرر الوطني وانتهاك حقوق الإنسان وانعدام شرعية عدد كبير من النظم الحاكمة وغيرها من التجليات.
وتعاني الشعوب العربية أيضا من عادات وتقاليد وقيم تحيط الاستسلام والاتكال بالقداسة وتشجع عليهما. وتسيطر هذه العادات والتقاليد والقيم على الشعب نتيجة خضوعه طيلة قرون للحكم الاستبدادي والسيطرة الأجنبية. وتسيطر أيضا تفسيرات تراثية على العقلية العربية. وأوجدت هذه التفسيرات نظام قوة اجتماعيا يقوم على السيطرة المطلقة للأب والأخ الأكبر في العائلة ورئيس مؤسسة من المؤسسات ورئيس الحمولة وشيخ القبيلة والوزير ورئيس الدولة.
ويعاني العرب من الإهانة القومية على يد جهات فاعلة أجنبية. وتهدر الطاقات والموارد العربية. وحققت تلك الجهات قدرا كبيرا من النجاح في محاولاتها لتجزئة الوطن العربي وترسيخ تلك التجزئة وإضعاف أو تغييب وعي العرب بدورهم العالمي والحضاري التاريخي وبمصالحهم الحقيقية وبواقع عصرهم وبدور تلك الجهات في إخضاعهم وتجزأتهم وكسر شوكتهم واستغلالهم، وبمغزى وجودهم الحضاري وبرسالتهم وبعظمتهم وبعالمية وإنسانية ثقافتهم وحضارتهم. إن محاولات التقدم الماضية والحاضرة تعتور بعض جوانبها العيوب المستمرة نفسها.
هذه الحالة أعاقت ولا تزال تعيق وتقيد نشوء الوعي بحقوق الإنسان وبالقيم الديمقراطية واحترامها ونشوء القدرة الفكرية والعقلية على الابتكار والإبداع، وبالتالي على تغيير الحالة المزرية هذه إلى حالة أفضل.
وفي تناول الإشكال الفكري العربي ينبغي الوعي باختلاف مصادر تردي الحالة العربية. يجري ارتكاب خطأ حينما يرجع بعض المحللين المسؤولية عن هذا التردي إلى جهات فاعلة خارجية فقط، أو إلى جهات فاعلة داخلية فقط. ومن الخطأ أيضا أن يعمم، كما يفعل بعض الدارسين، الانحطاط العربي الراهن على القسم الأكبر من التاريخ العربي.
ولعل من عيوب الخطاب الفكري العربي أنه يفتقر إلى الشمول. فهو لا يتناول جميع المسائل والاحتياجات الاجتماعية والقومية والنفسية الضرورية التي يحتاجها الفرد العربي. وبالتالي لا يسهم الخطاب العربي إسهاما كافيا في تبيان وتحليل بعض المشاكل التي يوجدها عدم تلبية هذه الاحتياجات. ومن هذه المسائل قضايا الحب في سن المراهقة ومقتبل العمر قبل الزواج ومسألة وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي والقانوني والمستوى الفكري والديني والعلمي للخطباء في المساجد. وبالنظر إلى أن الثقافة العربية هي إلى حد كبير ثقافة التستر والتكتم والكبت فقليل من الناس لديهم الجرأة الأدبية والنفسية على تناول هذه المسائل.
وتختلف الكتابات العربية بعضها عن بعض في مدى تعبيرها عن الواقع العربي وفي نسبة الموضوعية والذاتية في تكوينها. قسم من هذه الكتابات عبارة عن طرح ذاتي لا يمت إلى الواقع بصلة كبيرة، يعكس آمالا وأماني وأحوالا نفسية. وقسم لا يستهان به كتابات تتسم بالموضوعية ويتسم طرحها بالوصف والتحليل والتنبؤ على نحو عقلي. وليس من الصحيح ما كتبه محمد عابد الجابري أن الخطاب العربي المعاصر فارغ أجوف، منفصل دائما عن الواقع وأنه كان في جملته ولا يزال "خطاب وجدان وليس خطاب عقل ... لقد كان ولا يزال يعبر عما "يجده" الكاتب العربي في نفسه من انفعالات إزاء الأحداث، وليس من منطق هذه الأحداث". وفي هذا السياق تعتور كتابات الجابري نفس العيوب – من التعميم والتعصب والمغالاة في الحكم والكتابة على نحو غير عقلاني أحيانا – التي يحذر هو القارئ منها.
وفي الحقيقة أنه لا يوجد خطاب عقلاني مائة بالمائة في الكتابات الأدبية وفي العلوم الإنسانية والاجتماعية وفي الكتابات الفلسفية بالنظر إلى أنه لا يمكن فصل العنصر الذاتي عن العنصر الموضوعي في الخطاب. وهذه الظاهرة نجدها في قسم من الكتابات الغربية. وذكر حقيقة وجودها في كتابات غربية ليس المقصود به أن يكون للعرب عذر عن وجودها في كتاباتهم. يقصد بهذا الذكر القول للذي يتعالى على الفكر العربي على أساس انطلاقه من توهمه بأنه لا توجد سوى كتابات عقلانية القول إن ذلك الإنطلاق خاطئ
يبيّن ذلك التعريف أن ثقافة الشعب مسمدة من الفضاء الاجتماعي والفكري والقِيَمي والتاريخي والنفسي والجغرافي لذلك الشعب. ويقبل كثير من العرب قسما كبيرا من الأفكار الغربية بسمينها وغثها وبتحاملها وموضوعيتها في آن واحد والممارسات الغربية بجوانبها الإيجابية والسلبية. ولقسم من هذه الأفكار أصول أيديولوجية لا تتفق بالضرورة مع الرؤية الاجتماعية والقيمية والخُلقية للشعوب العربية.
وفي مواجهة هذا الغزو الفكري للثقافة العربية دور بالغ الأهمية، وخصوصا بعد أن أصاب الضعف عددا من مقومات المنعة القومية من قبيل المؤسسات السياسية والاجتماعية وقويت تبعية العرب الاقتصادية. وهناك حالة تبعية عربية حضارية وفكرية للغرب. العرب يستوردون أنظمة الغرب ومنتجاته. ولكنهم لم يتعلموا أو لم يطبقوا المنهج العلمي الذي أنتج هذه النظم والمنتجات. ودب الوهن في نفوس قسم من العرب، واستشرى الفساد وتعززت المغالاة في النزعة الاستهلاكية. وعلى الرغم من ذلك لا تزال جوانب فكرية وقيمية وتراثية عربية صامدة في وجه هذا الغزو.
وفي صفوف العرب توق إلى تحقيق التقدم الاجتماعي والإقتصادي والسياسي والتكنولوجي. ولهذا التوق أسباب منها حافز التقدم الذي يوجده الموروث الحضاري العربي العظيم، وإدراك أن من الضروري إحراز التقدم من أجل المحافظة على الوجود العربي المادي والحضاري وتحقيق الرفاهة الإقتصادية والأمن الاجتماعي.
غير أنه تقوم عوامل قوية تمنع أو تؤخر تحقيق العرب لهذا التقدم. وسنقوم بإبداء ملاحظات حول بعض هذه العوامل في هذا المقال.
يعاني العرب – شأنهم شأن شعوب نامية أخرى – من مشاكل عويصة كثيرة على مختلف الصعد. ومن تجليات هذه المشاكل الفقر والأمية والمرض وتزايد التدهور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والقيمي وتردي وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي والقانوني والتبعية العربية الاقتصادية والمالية والصناعية للغرب وغياب الفعالية في مواجهة مشاريع السيطرة الأجنبية والضعف الذي يعتور حركات التكامل والتوحيد العربية والتحرر الوطني وانتهاك حقوق الإنسان وانعدام شرعية عدد كبير من النظم الحاكمة وغيرها من التجليات.
وتعاني الشعوب العربية أيضا من عادات وتقاليد وقيم تحيط الاستسلام والاتكال بالقداسة وتشجع عليهما. وتسيطر هذه العادات والتقاليد والقيم على الشعب نتيجة خضوعه طيلة قرون للحكم الاستبدادي والسيطرة الأجنبية. وتسيطر أيضا تفسيرات تراثية على العقلية العربية. وأوجدت هذه التفسيرات نظام قوة اجتماعيا يقوم على السيطرة المطلقة للأب والأخ الأكبر في العائلة ورئيس مؤسسة من المؤسسات ورئيس الحمولة وشيخ القبيلة والوزير ورئيس الدولة.
ويعاني العرب من الإهانة القومية على يد جهات فاعلة أجنبية. وتهدر الطاقات والموارد العربية. وحققت تلك الجهات قدرا كبيرا من النجاح في محاولاتها لتجزئة الوطن العربي وترسيخ تلك التجزئة وإضعاف أو تغييب وعي العرب بدورهم العالمي والحضاري التاريخي وبمصالحهم الحقيقية وبواقع عصرهم وبدور تلك الجهات في إخضاعهم وتجزأتهم وكسر شوكتهم واستغلالهم، وبمغزى وجودهم الحضاري وبرسالتهم وبعظمتهم وبعالمية وإنسانية ثقافتهم وحضارتهم. إن محاولات التقدم الماضية والحاضرة تعتور بعض جوانبها العيوب المستمرة نفسها.
هذه الحالة أعاقت ولا تزال تعيق وتقيد نشوء الوعي بحقوق الإنسان وبالقيم الديمقراطية واحترامها ونشوء القدرة الفكرية والعقلية على الابتكار والإبداع، وبالتالي على تغيير الحالة المزرية هذه إلى حالة أفضل.
وفي تناول الإشكال الفكري العربي ينبغي الوعي باختلاف مصادر تردي الحالة العربية. يجري ارتكاب خطأ حينما يرجع بعض المحللين المسؤولية عن هذا التردي إلى جهات فاعلة خارجية فقط، أو إلى جهات فاعلة داخلية فقط. ومن الخطأ أيضا أن يعمم، كما يفعل بعض الدارسين، الانحطاط العربي الراهن على القسم الأكبر من التاريخ العربي.
ولعل من عيوب الخطاب الفكري العربي أنه يفتقر إلى الشمول. فهو لا يتناول جميع المسائل والاحتياجات الاجتماعية والقومية والنفسية الضرورية التي يحتاجها الفرد العربي. وبالتالي لا يسهم الخطاب العربي إسهاما كافيا في تبيان وتحليل بعض المشاكل التي يوجدها عدم تلبية هذه الاحتياجات. ومن هذه المسائل قضايا الحب في سن المراهقة ومقتبل العمر قبل الزواج ومسألة وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي والقانوني والمستوى الفكري والديني والعلمي للخطباء في المساجد. وبالنظر إلى أن الثقافة العربية هي إلى حد كبير ثقافة التستر والتكتم والكبت فقليل من الناس لديهم الجرأة الأدبية والنفسية على تناول هذه المسائل.
وتختلف الكتابات العربية بعضها عن بعض في مدى تعبيرها عن الواقع العربي وفي نسبة الموضوعية والذاتية في تكوينها. قسم من هذه الكتابات عبارة عن طرح ذاتي لا يمت إلى الواقع بصلة كبيرة، يعكس آمالا وأماني وأحوالا نفسية. وقسم لا يستهان به كتابات تتسم بالموضوعية ويتسم طرحها بالوصف والتحليل والتنبؤ على نحو عقلي. وليس من الصحيح ما كتبه محمد عابد الجابري أن الخطاب العربي المعاصر فارغ أجوف، منفصل دائما عن الواقع وأنه كان في جملته ولا يزال "خطاب وجدان وليس خطاب عقل ... لقد كان ولا يزال يعبر عما "يجده" الكاتب العربي في نفسه من انفعالات إزاء الأحداث، وليس من منطق هذه الأحداث". وفي هذا السياق تعتور كتابات الجابري نفس العيوب – من التعميم والتعصب والمغالاة في الحكم والكتابة على نحو غير عقلاني أحيانا – التي يحذر هو القارئ منها.
وفي الحقيقة أنه لا يوجد خطاب عقلاني مائة بالمائة في الكتابات الأدبية وفي العلوم الإنسانية والاجتماعية وفي الكتابات الفلسفية بالنظر إلى أنه لا يمكن فصل العنصر الذاتي عن العنصر الموضوعي في الخطاب. وهذه الظاهرة نجدها في قسم من الكتابات الغربية. وذكر حقيقة وجودها في كتابات غربية ليس المقصود به أن يكون للعرب عذر عن وجودها في كتاباتهم. يقصد بهذا الذكر القول للذي يتعالى على الفكر العربي على أساس انطلاقه من توهمه بأنه لا توجد سوى كتابات عقلانية القول إن ذلك الإنطلاق خاطئ
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر