ياسر علي*
إذا لم تصنع مراجلُ الثورات قادةً تاريخيين، فإنها ستُحرق ما بقي من مناضلين !
الثورات، فرن نار، يصهر في أتونه الرجال والقادة، ويحكّ جوهرهم، ويوقد ما انطفأ من عزيمتهم، ويقوّي ما ضَعُف من شوكتهم.. هم يحتاجون قبل هذا الأتون إلى قليل من الصفات القيادية، كالوعي والحماسة والإخلاص للفكرة والقدرة على التحمل والعناد .
فإذا فقدوا القدرة على التحمل صَهَرهم وقهرهم أتون الثورة وذابوا في دهاليزها، وخرجوا من التاريخ من دون أن يشعر الآخرون بهم ..
فقد أحرقتهم النار التي كان يُفترض أن تصلّب أعوادهم .
كان يمكن أم كامل الكرد أن توافق على أول عرض لشراء البيت بعشرة ملايين دولار، أو أن تذعن لاحقاً لاقتسام البيت وتوافق على الصفقة، وحين رماها جنود الاحتلال في الشارع، كان يمكن أن تنزوي في بيت أحد أبنائها مستسلمةً، وقد باتت في سنّ يوجب عليها أن ترتاح وتتفرغ لاهتمامات المتقاعدين وأعمالهم .
ربما كان يكفيها أن تمارس طقوس الحياة العادية لمن هم في مثل سنّها، كالصلاة والتسبيح، وزيارة الجيران والأقارب، واستقبال الضيوف.. وإذا أرادت أن تضيف مسحة وطنية على تقاعدها، تطرّز الأثواب الفلسطينية .
لكن أم كامل أصرت على المبيت في الشارع، ريثما تبني خيمة الاعتصام الأولى، وتحدّت الاحتلال الذي هدمها.. فبنت الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة.. و.. ولم تيأس !
نحن إذاً أمام نموذج جديد من القيادة والإبداع الفلسطيني .. تختلف عن نموذج الرجال.. تختلف عن نموذج أمهات الاستشهاديين والاستشهاديات.. تختلف عن النماذج التي اقتُلعت من أرضها وطردت، وتصرّ على العودة بأي ثمن.. هي لم يستطع الاحتلال اقتلاعها، ما زالت جذورها في أرضها وبيتها.. وتستمر !
تحوّلت خيمتُها مزاراً لكبار الشخصيات، وتقاطرت إليها الوفود الشعبية، وأصبحت مركزاً إعلامياً بارزاً، وصار على كل من يزور القدس متضامناً أن يمرّ على خيمة أم كامل .
هناك سرّ في قوة أم كامل. هل تسيّرها جهات ذات خبرة في الإعلام والمقاومة والصمود؟ هل يخطط لها فعالياتها متخصصون في الأنشطة الإعلامية؟ هل دفع بها بعض «المتهورين» أو «الخبثاء» ليستغلوا «بساطتها»؟ هل تستجيب هي لهذه الجهات على أمل أن تقتني بيتاً آخر تأوي إليه في ليالي الوحدة؟
بالطبع لا، فأم كامل عرفت أن القدر قد وضعها في ظرف حسّاس ومكان وزمان مفصليَّين لتكون بالضرورة رمزاً لقضية كبيرة، لا لبيت صغير. عرفت أنها لم تعد أماً لكامل وإخوته فقط، بل أصبحت أم المقدسيين جميعاً. عرفت أنها يجب أن تخرج من كونها حالةً من آلاف الحالات إلى كونها نموذجاً لأهلها ومواطنيها وأبناء مدينتها المقدسة، فيعتبروا من صمودها، ويوقفوا استكمال المخطط الاحتلالي في طرد أهل القدس .
ما السرّ إذن؟ إنها البيئة التي ولّدتها سنوات من العناد والصمود المقدسي، والتضامن القادم من فلسطينيي 48، والوعي الذي لم يؤسس جيلاً واحداً لمقاومة التهويد، بل أسس زمناً وعصراً مستمراً في احتضانه للأجيال التي تمرّ فيه، فيصقلها على الفكرة والتمسك بها بعناد .
كيف يظهر الزعماء؟ كيف تنتصر الشعوب؟ كيف يصارع الضعيفُ القوي فيصرعه؟ وإذا فشل يُحاول ثانية وثالثة و..عاشرة ولا ييأس؟
إنه الإيمان بالقضية العادلة، والموقف الحق. وهذا في العموم يولّد بيئة تنتج القيادات والمبدعين. أما في حالة فلسطين على وجه الخصوص، فالبيئة الإبداعية تخضرمت وباتت كما أسلفت عصراً من الإبداع، وتطورت من البعد النضالي والسياسي، إلى البُعد الفني والأدبي والثقافي، فبات المثقفون الفلسطينيون روّاد الحركة الأدبية والثقافية في البلدان التي لجأوا إليها. وهذه الخَضْرَمة طوّرت الحالة الثورية الفلسطينية من ضيق الصراع الفكري والسياسي وحتى العسكري، إلى الصراع الحضاري، فأنتجت مبدعين في مختلف المناحي الإنسانية. فبرز البُعد العاطفي في النضال، وتأثرت القضية بتماوج المآسي والمجازر وحالات العشق والفراق موتاً وخطفاً وأسراً، فأَنْسَنَت القضية، وأنتجت إنساناً يعيشها وتعيشه، ويفنى فيها وتفنى فيه .. لذلك شهدت القضية اغتيال عدد من فنانيها وشعرائها وأدبائها ومفكريها .
الحديث يطول، لكني أنهيه بالقول: قضيةٌ بهذا الحجم من التأثير في الزمان والمكان والإنسان، كيف يمكن أن لا تكون على حق؟! وكيف يخطر ببال أحد أن لا تنتصر؟ !
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر