الفنانة هائلة الوعري

الفنانة التشكيلية الفلسطينية (هائلة الوعري) من مواليد القدس عام 1962، حاصلة على بكالوريوس إدارة أعمال من جامعة البحرين عام 1981، ودبلوم فنون جميلة من معهد لندن للفنون الجميلة عام 1990، انحازت لموهبتها الفنية التشكيلية، ودخلت غمار الفن التشكيلي إنتاجاً، حاصلة على مجموعة من شهادات التقدير، ومشاركة دائمة وفاعلة في معارض جماعية وفردية ومشاغل تشكيلية متنوعة، سواء أكانت في مكان إقامتها مملكة "البحرين" أو في عدد من الدول العربية والأعجمية منذ عام 1992 ولغاية معرضها الفردي الذي حمل عنوان " القدس هنا.. وهناك" في مدينتي عمان الأردنية ودمشق السورية في إطار احتفالية القدس عاصمة الثقافة العربية 2009.

المعرض في مجموع لوحاته، يُشكل رسالة بصرية واضحة التفاصيل والمعالم، معني بمدينة القدس في جميع تجلياتها البصرية، لأنها ببساطة موطنها ومسقط رأسها، وذاكرتها الوجودية المستديمة، وموئل ابتكارها والحاضنة المرهفة لمجموعة كبيرة من المشاهد، والتجليات الوصفية المعبرة عن تصوراتها المقدسية، مسبوكة بواسطة الخط واللون وتفاصيل الفكرة التي تعتمل في صدرها، كمنعكس طبيعي لمجموعة من المشاعر والأحاسيس والانفعالات، وانحياز مكشوف إلى قضيتها الفلسطينية عموماً ومدينة القدس على وجه التخصيص.

ملونات الأكرليك تمثل زادها التقني لسبر أغوار خبرتها الذاتية التي تجد فيها فسحة طيبة للبوح البصري ومجال حيوي لهندسة مداميك عماراتها المتبعة في لوحاتها التشكيلية، المتكئة على سكاكين الرسم وفراشي التلوين المتنوعة والمتسعة لفضاء المساحة العريضة، والحاضنة لبضعة أفكار مرصوفة فوق سطوح الخامات المستعملة، تستدعي في مجرتها التشكيلية جميع مكونات المربع والدائرة والمستطيل والمثلث وسواها من الأشكال الهندسية، باعتبارها ميدان شكلي مناسب اختارته الفنانة كخصوصية تعبيرية لاستيعاب عناصرها وأدواتها، ومقومات شكلية متكافئة لنسج فصول حكايتها الخطيّة واللونية.

لوحاتها جملة وتفصيلا، تنتمي إلى روح الحداثة التشكيلية والمعاصرة التقنية التعبيرية، المحملة بأنفاس الاتجاهات السريالية والتجريدية على وجه التخصيص، فيها ما فيها من جنوح الفكرة عبر تقنيات التصوير الملون، المكرسة لمفاتيح المخيلة ومساحة التذكر، ومداعبة لذات فنية مجربة وباحثة عن موطئ رؤية فنية تشكيلية، ومكانة ما بين أقرانها وبنات جيلها من الفنانات التشكيليات العرب والفلسطينيات، تدخل في متن القصيدة البصرية المفتوحة على مسرحة يوميات الحياة الفلسطينية عموماً ومدينة القدس خصوصاً، والتنقل السردي ما بين واحات التعبير الشخصي، وتفريغ شحنات الذات عبر توليفات خطية ولونية حافلة بالمشاهد المتخيلة والمرئية، ومفاتن التقنية متعددة السمات والخصائص الشكلية.

لوحات تصويرية تنضوي في إطار مقاطع شكلية من أوصاف المربع، كشكل هندسي محبب وحاضنة متسعة على حيز الفكرة وفضاء الخط واللون، والتنويع الشكلي لمفاتن التقنية والبوح الصريح عما يجول في النفس والهوى والنظرة التشكيلية المشتهاة. مربع مكشوف على حركية الخطوط وليونة الريشة المغموسة باللون، والمتحركة في فضاء التأليف الشكلي والفكرة التصويرية المرغوبة من يد مُجربة، ألفت غواية صنعتها الفنية المنثورة فوق سطوح الخامة، وهي أشبه بمتواليات شكلية لفكرة متوالدة على الدوام في حضرة مقامات بصرية متكررة، مؤلفة لازمة موسيقية بصرية من نسيج شكلي وتقني واحد، ترسم حدود وحدتها العضوية، ومعابر صورها المتواردة رغبة أو خلسة في مساحة الذاكرة والتذكر.

القدس القديمة هي المفردة التشكيلية الأكثر تواجداً في عموم لوحاتها، وتوليفة تقنية حافلة بالمساحات اللونية المتسعة على التحوير، والتبسيط الشكلي والاختزال، والمحملة بإحالات رمزية دلالية لأمكنة عابرة في مساحة الذاكرة، والمستعارة من أزقة وشوارع وبيوت مقدسية في حلة بصرية مفتوحة على التوليفات الهندسية المسطحة، والحاشدة بالأقواس المتواترة، والأشكال الهندسية المتناسلة من أشكال المستطيل والمربع وسواها، مسرودة في لحمة خطية ولونية متجانسة من حساسية لونية متناغمة القسمات.

لوحات موصولة بالمساحات الواسعة واللمسة العريضة من ريشتها، وسكينها المتحركة في صمحترم تقنية متعددة الأنماط، تتوارى خلف رمزية ما، وتجريدية حافلة بالتبسيط الشكلي للمفردات والعناصر المتوالية داخل أسوار القصيدة البصرية. سريالية الطرح التقني ومعشبة بلمسات تجريدية مفتوحة على التلخيص والتبسط والاختزال، قائمة على مسرحة المشاهد والمناظر والشخوص، وإظهارها في حلة تشكيلية متشابهة، متوالية العناصر والنصوص، تستحضر الرؤى السردية، بمجازية الوصف والتأليف لمكنونات الذاكرة الحافظة، والممتلئة بالصور والذكريات، سابحة في أتون الدائرة اللونية الرئيسة الأساسية والمحايدة، وما بينها من تدريجات لونية مشتقة، تستكمل دورة المشاهد المرئية والمتخيلة.

تستجمع خبراتها المهنية في مد الجسور البصرية لواقعية الواقع المقدسي، واختزاله في صور رمزية محملة بالإشارات والدلالات الموحية والمعبرة عن ذاكرة المكان، وتستعير رمزية المحاكاة، والمتبقي من ذاكرة حلم مضى وطفولة مبكرة وثقافة أسرية مستديمة، ومتمسكة بنشيد الأرض وترانيم التحرير والعودة، تدخل فيها بأروقة القدس من بوابة مدينتها القديمة، تستدعي بيوتها وشوارعها المرصوفة والمتراصة، ومعالمها الدينية المسيحية والإسلامية الشامخة المآذن والقباب، والموشاة بالهلال والصليب كإحالات رمزية لعروبة المكان وحقيقة التاريخ والوجود، تجعل للخطوط ومقطوعات المساحات اللونية المتداخلة في حلتها الهندسية الرتيبة، مدارات وصف وتفكر، جامعة للأقواس ومقطوعات المربع والمستطيل والمثلث ونصف الدوائر في حلة شكلية متوالدة النصوص في جميع أعمالها، وكأنها لازمة موسيقية خطيّة ولونية متآلفة في بوح مضامين سردها التقني.