هل يكون التوازن السكاني أولى الضحايا؟!
فلسطينيو 48: خطر ديموغرافي على «يهودية الدولة»
عباس إسماعيل/ بيروت
يُشكل
فلسطينيو 48 في نظر الدولة العبرية «خطراً ديموغرافياً» مؤكَّداً وثابتاً
على الصمحترم اليهودية- الصهيونية للدولة. فالأبحاث الإحصائية المختلفة التي
تجري على نحو متكرر في «إسرائيل»، تحذّر من الزيادة الطبيعية لدى
الفلسطينيين داخل أراضي 48، ومن خطر تشكيلهم في المستقبل غير البعيد نسبة
لا بأس بها من سكان الدولة، الأمر الذي يمسّ بطابعها اليهودي.
أصول استشعار الخطر
الطلائعي في هذا التوجّه، صاحب
نظرية التهويد الديموغرافي، هو البروفيسور أرنون سوفر المحاضر في قسم
الجغرافيا في جامعة حيفا، الذي يحذر منذ سنوات عدة من «التهديد»
الديموغرافي المتربص بالكيان من الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ومن العرب
داخل فلسطين المحتلة.
مؤتمرات عدة عُقدت لبحث هذه المشكلة
ووَضْع الحلول الممكنة لها. لكن التخوّف الديموغرافي ازداد مع الوقت، إلى
أن أصبح المسيطر في بلورة السياسة القومية للدولة. وقد عبّر عن ذلك بكلمات
بسيطة ودقيقة وصريحة رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتانياهو في خطابه في
مؤتمر هرتسليا بتاريخ 17/12/2003 قائلاً: «لدينا مشكلةُ ديموغرافيا،
ولكنها لا تتمحور في العرب الفلسطينيين في مناطق الضفة والقطاع، بل في عرب
إسرائيل».
وانعكاساً لوجهة النظر هذه، جدد
وزير العمل والرفاه السابق شلومو بنيزري (شاس) في عام 2002 نشاط المجلس
العام للديموغرافيا، وذلك لكي يجابه «التهديد الديموغرافي». والمجلس هو
جسم استشاري يواكب نشاطات مركز الديموغرافيا في وزارة العمل والرفاه. وقد
أقيم لأول مرة في عام 1976، لكن نشاطه توقف ثم تجدد مرات عدة إلى أن
استأنف نشاطه في عام 2002 حيال التخوف من وجود أغلبية غير يهودية بين نهر
الأردن والبحر. ويهدف إلى إيجاد طرق للحفاظ على الأغلبية اليهودية في
«إسرائيل»، بما في ذلك تشجيع اليهود على الإنجاب.
تخريب «يهودية الدولة»!
يتعذر الفصل بين «يهودية الدولة»
والواقع الديموغرافي القائم في فلسطين المحتلة بين اليهود والعرب، ذلك أن
تجسيد الطابع اليهودي للدولة اليهودية يتطلب توافر معادلة ديموغرافية تكون
الكفّة فيها راجحة لمصلحة العنصر البشري اليهودي، وهو ما لا يمكن أن يتحقق
إلا على حساب العرب في فلسطين، ولا سيما داخل الأراضي التي احتلتها
العصابات الصهيونية عام 1948، والتي تُعرف بمناطق الخط الأخضر.
ورغم إصرار اليهود وإجماعهم، على
اختلاف مستوياتهم وتياراتهم وانتماءاتهم، على قضية يهودية الدولة، يصطدم
هؤلاء بواقع أليم بالنسبة إليهم يتمثل في أن كون المسار الزمني للواقع
الديموغرافي في الأراضي الفلسطينية لا يسير وفق الرغبة الإسرائيلية وبما
يعزز المعادلة المطلوبة لتكريس الطابع اليهودي للدولة الصهيونية، بدليل أن
نسبة فلسطينيي 48 ممن يحملون «المواطنة الإسرائيلية» حافظت على مستواها
تقريباً مقارنة بنسبة اليهود داخل أراضي عام 1948، رغم موجات الهجرة
اليهودية التي جلبت ملايين اليهود إلى فلسطين.
وما يزيد من خطورة الواقع
الديموغرافي بالنسبة إلى المسؤولين الإسرائيليين، حقيقة نضوب «حقول الهجرة
اليهودية» في الخارج، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى مزيد من الاختلال في
التوازن الديموغرافي لغير مصلحة اليهود، وهي حقيقة تنبّه إليها السياسيون
والأكاديميون والمثقفون الإسرائيليون على اختلافهم، ما دفعهم إلى البحث
الحثيث عن وسائل بديلة من شأنها تعويض التراجع في الميزان الديموغرافي بما
يتيح استمرار الطابع اليهودي للدولة، وهو ما وجد تعبيراً له في العديد من
التشريعات القانونية، والإجراءات العملية، والطروحات التهجيرية، التي تصبّ
جميعها في تحقيق معادلة واحدة تمثّل الترجمة العملية لمصطلح الدولة
اليهودية: «الحفاظ على أكبر نسبة من اليهود داخل إسرائيل مقابل بقاء أقل
عدد ممكن من العرب فيها».
خطة للمحافظة على التفوق العددي
وبغية ضمان المؤسسة الإسرائيلية
الحاكمة لواقع ديموغرافي ملائم لمشروعها القومي والديني، لجأت تلك المؤسسة
إلى رزمة إجراءات بعضها وقائي، وبعضها الآخر تشجيعي. وعلى سبيل المثال لا
الحصر، يمكن إدراج الإجماع الإسرائيلي على رفض حق عودة اللاجئين
الفلسطينيين إلى أراضي 48، إلى الخشية الحقيقية من تأثير مثل هذه العودة
على التوازن الديموغرافي اليهودي- العربي، بما من شأنه قلب الموازين،
وبالتالي انهيار الأُسس والمداميك التي يُفترض أن تقوم عليها الدولة
اليهودية.
ومن جملة الخطوات الوقائية أيضاً،
يمكن إدراج سلسلة القوانين الرامية إلى الحدّ من إمكانية التزايد السكاني
للعرب، مثل قانون العودة، وقانون المواطنة الذي جرى تعديله عدة مرات بما
يتلاءم مع الغاية الأساسية بتقليص الزيادة الديموغرافية للعرب، وفرض قيود
قاسية وصعبة جداً على محاولات لمّ الشمل الفلسطينية، وكذلك منع العرب، ولا
سيما البدو، من الزواج المتعدد للحدّ من نسبة الإنجاب العالية في أوساط
البدو تحديداً.
في المقابل، لجأت السلطات
الإسرائيلية إلى العديد من الخطوات التشجيعية، أهمها العمل الحثيث على جلب
أكبر قدر ممكن من اليهود من شتى أنحاء العالم، وتقديم الكثير من الإغراءات
لهذه الغاية، والعمل أيضاً على تسريع عمليات تهويد المهاجرين الذين لا
تعترف الحاخامية الرئيسية في «إسرائيل» بيهوديتهم وتسهيلها، ولا سيما
المهاجرون من دول الاتحاد السوفياتي السابق، ومن إثيوبيا.
يمكن القول إن مكمن الخطر بالنسبة
إلى «إسرائيل» إزاء اختلال الواقع الديموغرافي لمصلحة العرب، ينطلق أساساً
من النظرة العنصرية التي تحكم موقف المسؤولين الصهاينة، على اختلاف
مستوياتهم وتوجهاتهم واختصاصاتهم، تجاه «المواطنين العرب» في الداخل،
والتي تعدّهم «قنبلة موقوتة» أو «سرطاناً في جسد الدولة» و«طابوراً خامس»،
وغير ذلك من الأوصاف التي يتنافس المسؤولون الإسرائيليون في إطلاقها
للإشارة إلى الخطورة التي يمثلها فلسطينيو 48 على الدولة اليهودية.
فالدولة التي تنظر إلى مواطنيها بهذا المنظار، ستشعر حكماً بالقلق على
مصيرها، وسيقضّ مضجعها مجرد التفكير بالنمو الديموغرافي لهذه الجماعة،
فضلاً عن تنامي قوتهم السياسية والفكرية والاقتصادية.
وإذا أريد لنا الحكم على القلق
الإسرائيلي من هذه الزاوية، أي زاوية النظرة العنصرية والعدائية تجاه
مواطنيها، يمكن القول إن المعطيات الديموغرافية المتوافرة تفسح مجالاً
واسعاً أمام هذا القلق، لأنها تشير كلها إلى أن «ساعة الرمل الديموغرافية»
لا تسير وفقاً لمصلحة الدولة اليهودية ومستقبلها رغم كل الإجراءات المتخذة.
وثيقة حكومية لتقدير الوضع
المعطيات الديموغرافية هذه كانت
وراء الوثيقة التي كشفت عنها صحيفة معاريف (7/12/2007)، والتي أعدّها
ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية، تحت عنوان: «دولة إسرائيل- سياسة
ديموغرافية قومية»، والتي تتضمن عنواناً ثانوياً: «تقدير وضع وتوصيات
أولية»، والتي تعكس قلقاً متزايداً في إسرائيل من «المارد الديموغرافي».
الفرضية السائدة ديموغرافياً، التي
تنطلق منها الوثيقة، هي أن نسبة العرب في مناطق 48، التي شكلت في السابق
نحو 10%، لامست منذ مدة نسبة 20% وما زالت تواصل الصعود. وهذه الوثيقة
التي اُعدت بناءً على طلب رئيس الحكومة آنذاك إيهود أولمرت، تتناول هذا
الأمر تحديداً، وهي تتضمن المعطيات الآتية:
أولاً- عدد اليهود مقابل غير اليهود
في إسرائيل في عام 2006: 5,393,400 يهودي، يشكلون 75.8%، مقابل 1,723,200
شخص غير يهودي، إضافة الى 309,900 شخص يُعرفون بأنهم «مهاجرو العودة»، أي
المهاجرون الجدد من غير اليهود الذين أُدرجوا في هذه الحال تحت عنوان «غير
اليهود». في الخلاصة: ربع سكان «إسرائيل» ليسوا يهوداً، ثلاثة أرباع
السكان هم من اليهود. وهذا واقع صعب بحسب معدّي الوثيقة.
هذا الواقع يدفع المسؤولين
الإسرائيليين إلى البحث عن حلّ، فيقترحون، حسب الوثيقة، توسيع تعريف
اليهود بحيث يُدرج ضمن هذا التعريف «مهاجرو العودة». هذا الخيار يُحسّن
الوضع، ويُصبح في هذه الحال نسبة اليهود 80%، وفي الطرف الثاني، العرب
20%. هذا وضع مُحتمل، بالنسبة إلى معدّي الوثيقة، وفرضية العمل هي أنه
يتعين التطلع للحفاظ عليه.
لكن يتبين أنه يمكن تحسينه أكثر
بواسطة مناورة إحصائية إضافية. هذا ما يظهر من الورقة التالية في الوثيقة،
التي تحمل عنوان «يهودي مُوسّع وغير يهودي من دون سكان القدس الشرقية،
2006».
يوجد في القدس الشرقية 252,400
فلسطيني من حملة الهويات الزرقاء. يجري إخراجهم من هذه المعادلة. فهم
ليسوا مواطنين كاملين، وليس لهم حق الاقتراع. في مثل هذا الوضع، عندما
يصبح العرب في القدس الشرقية في الخارج، والمهاجرون غير اليهود في جانب
اليهود، كما جاء في الوثيقة، يكون لليهود أغلبية من 83% مقابل 17% لغير
اليهود.
وتتطرق الوثيقة أيضاً إلى «اتجاهات
الخصوبة» لدى اليهود والعرب. وتشير إلى أن الحفاظ على نسبة ديموغرافية
مستقرة بين اليهود والعرب داخل الكيان، بمعدل 80% لليهود مقابل 20% للعرب،
يتطلب الاستناد إلى فرضية عمل تفيد بأنه يتعين الوصول إلى وضع تكون فيه
الولادات موزعة بنسبة 80% مقابل 20%، بين اليهود والعرب، «بغية المحافظة
على الوضع القائم وعدم استمرار زيادة الأقلية العربية غير الصهيونية في
داخلنا» بحسب الوثيقة. ولهذه الغاية يُجري معدو الوثيقة حسابات معقدة
لمعطيات الخصوبة والولادة، وبعد إخراج «نسبة الولادات في الأحياء العربية
بشرق القدس» يتبين أن المعادلة الديموغرافية للخصوبة كالآتي: 74% لليهود
مقابل 26% للعرب. هذا يعني، وفق الحسابات التي أجراها معدو الوثيقة أنه ما
زال ينقص 15820 ولادة لليهود كي يصبح ميزان الولادات العام 80 مقابل 20 في
المائة، الأمر الذي يضمن استمرار الوجود القوي للأغلبية اليهودية الحالية
(لكن مع احتساب المهاجرين غير اليهود).
توصيات للحدّ من النموّ
ويختتم معدو الوثيقة عملهم بفصل
التوصيات تحت عنوان: «تقليص الفجوة لسنة 2006». ويرى هؤلاء أن إغلاق
الفجوة ( 15820 ولادة)، يمكن أن يكون وفق الآتي: تشجيع الهجرة، تقليص
الهجرة المعاكسة، زيادة عدد السكان العائدين، تشجيع زيادة ولد أو اثنين في
العائلات القليلة الأولاد (عند اليهود)، تقليص عدد الأولاد النابع من غياب
التعليم عند النساء وخروجهن إلى العمل (عند العرب طبعاً)، تحديد سياسة
تجاه العمال الأجانب، تقليص عدد المقيمين الفلسطينيين إقامة غير قانونية
داخل الخط الأخضر، وتحديد سياسة جديد تجاه لمّ شمل العائلات.
يمكن القول إن هذه الوثيقة تُجمل
العقلية الضيقة والعنصرية التي تحكم تعامل الدولة اليهودية مع «مواطنيها
العرب»، وهي تختصر كل السياسات الإسرائيلية تجاه الواقع الديموغرافي،
وتمثّل تجسيداً عملياً للمواقف المعلنة والأفكار المتداولة بين الأوساط
الإسرائيلية المختلفة، التي ترى في فلسطينيي 48 خطراً ديموغرافياً موجهاً
بالدرجة الأولى إلى «يهودية الدولة» قبل أمنها واقتصادها، خطراً يحول
تعاظمه دون تجسيد حلم آباء الصهيونية بإقامة «وطن يهودي» على أرض فلسطين
الحبيبة.
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:15 am من طرف راهب الفكر
» تصريح الناطق الرسمي لجيش رجال الطريقة النقشبندية بصدد التهجير القسري للعراقيين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» زيف المفترين في إعلان خلافة المسلمين
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:14 am من طرف راهب الفكر
» مبارزة شعرية .......
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:11 am من طرف راهب الفكر
» مقاومينا بغزة البواسل للشاعر عطا سليمان رموني
الجمعة 19 أغسطس 2016, 2:08 am من طرف راهب الفكر
» أتثائب... عبلة درويش
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» تصريح ولكن.... وما بعد الجدار/تغريد العزة
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:54 pm من طرف راهب الفكر
» " منديلٌ لبسمات امرأة " لؤي ابو عكر
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» نقد الحزب المشكلات التنظيمية للحزب الشيوعي " سلامة كيلة (للتحميل)
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:53 pm من طرف راهب الفكر
» تلخيص كتاب: تاريـخ فلسطين في أواخر العهد العثماني 1700 – 1918
الأحد 24 أغسطس 2014, 1:37 pm من طرف راهب الفكر